وبيجر) على أن ما كشفه هرسفلد لا يعد شيئاً، والمتحف
العراقي عامل على موالاة التنقيب في الآثار، وجمعها في
متحف الآثار العربية، وينتظر ظهور أشياء هائلة.
سرنا إلى (سر من رأى) في قافلة مؤلفة من كبار طلاب (دار المعلمين العالية في بغداد) والدكتور كامل بك عياد (أستاذ التاريخ الإسلامي في الدار) و. . . أنا، فجزنا بالأعظمية، وعبرنا النهر إلى الكاظمية، ثم استقبلنا الفضاء.
ولم نقف في الطريق إلا على جسر حربي، وهو جسر قائم في الفلاة ذو ثلاث قناطر. عليه كتابة ظاهرة تدل على أنه بنى في أواخر العهد العباسي على نهر دجيل ليسقي مدينة حربي، فتلفتنا فإذا النهر قد جف والمدينة قد محيت والعهد العباسي قد انقضى، وإذا كل بلاد الله تتقدم وتزداد عمارة، وبلادنا تتأخر وتمعن في الخراب فوقفنا معتبرين. ومضينا مستعبرين.
ولم نسر من بعد إلا قليلاً حتى طلعت علينا (الملوية) وهي منارة جامع المتوكل، عالية تبدو من بعيد كالصرح الهائل، وقد شبهت مكانها من سر من رأى، ببرج إيفل من باريز، فهي علم البلد ورمزه. ثم بلغنا دجلة فعبرناه. ودخلنا (قرية) سامراء نستريح في مدرستها ساعة بعد مسيرة ثلاث ساعات في السيارة. ثم ولجنا حرم التاريخ، يصحبنا معلمو المدرسة الذين أولونا من أياديهم وأرونا من كرمهم وحسن أخلاقهم، ما نذكره لهم بالشكر، فلولاهم ما رأينا شيئاً، ولا عرفنا من أين ندخل أو نخرج في هذا العالم الواسع!
إي والله. هو عالم، وهو شيء عظيم جداً.
سرنا أكثر من خمسة وعشرين كيلاً، وما قطعنا إلا نصف البلد من المسجد الجامع إلى الدور العليا، وإن إلى الدور السفلي لمثلها، وإن هذا كله لنصف المدينة، وعلى الضفة الأخرى مثله.
أنا لا أستطيع أن أتصور كيف كانت هذه البرية الواسعة التي يضل فيها البصر، مدينة عامرة، وكيف كان الناس يقطعونها، وإن بين أولها وآخرها اليوم لمسيرة اثنتي عشرة ساعة على الراكب.