بهم في حياته الأدبية والاجتماعية والأخلاقية والدينية، ولما قامت الفتنة بين المأمون والأمين وأندفع الناس في تيار تلك الفتنة، كان ذلك مما مكن الصلة بين الجاحظ والجمهور، لأنه أبتدأ يؤلف لهم في هذا الذي انصرفت إليه عقولهم، فكتب كتاب الإمامة لهم، فوقع عندهم الموقع الحسن، وقد قرضه المأمون وأثنى عليه، وإن تقريظ المأمون في الواقع لأدق وصف لكتب الجاحظ وكتاباته.
على أن الجاحظ في تقربه من الجمهور والعامة لم يكن إلا متبعاً لتعاليم المعتزلة الذين أخذوا يعملون لدفع الجمهور للعلم، وتقريب المعارف من نفوسهم بشتى الوسائل الممكنة، ونحن إذا تأملنا كثيراً من كتبه نجده قد أختار موضوعاتها مما يليق بالجمهور ويروج عندهم مثل كتاب البخلاء
ولقد كان الجاحظ يدخل على نفوس العامة من ناحية أخرى هي ناحية الدعابة والتفكه، فإنه كان يحفل بذلك ويعتد به، ولست أذكر من فكاهات الجاحظ وأساليبه في ذلك ومبلغ قوته في التصوير، فإن من قرأ منكم شيئاً من كتب الجاحظ فقد أدرك ذلك وتحققه، ثم عرض الأستاذ لكتاب التربيع والتدوير فقال: إنه نمط من فكاهة الجاحظ، ولكنه ملأه بالأسئلة عن أشياء لا تصح، وفيها ما يدور في أذهان العامة والجمهور، ولم يعمل الجاحظ على أن يجيب عنها، وقد قال الجاحظ في آخره: فإن أردت أن تعرف الفاسد والصحيح من هذه الأسئلة فألزم نفسك باب داري، وقراءة كتبي
وعرض للجاحظ في موقفه من المرأة فقال: إن الجاحظ لم يتزوج ولم يؤكد علاقته بالمرأة، ولكنه قد دافع عنها وأكبر من شأنها، وله كتاب (الحرائر والإماء) كتبه في مناصرة الإماء والثناء عليهن وتفضيلهن على الحرائر.
ثم تكلم عن أسلوب الجاحظ بما هو معروف، وقال إنه لم يؤثر في أحد من بعده تأثيراً فنياً، وإن ابن العميد الذي كان يتعصب للجاحظ، ويلقب في ألسنة الأدباء بالجاحظ الثاني لم يكن له من خصائص الجاحظ شيء، حتى القاضي الفاضل الذي يقول في كلام له: أما الجاحظ فما منا معاشر الكتاب إلا من دخل في كتبه الحارة، وشن عليها الغارة، وخرج على كتفه منها كاره، لا نعرفه قد تأثر بالجاحظ في قليل ولا كثير، ثم أخذ يقارن بين الجاحظ وبين المبرد في طريقته وأسلوبه، ولم ينس ثعلباً في هذه المقارنة. . وانتهى بعد ذلك إلى القول