بآرائه، لأنه يخاطب بآثاره الأدبية الرأي العام في بلاده؛ الذي هو فوق الحكومة يملي عليها إرادته؛ أما في ظل الملكية المطلقة في الدولة الإسلامية، فلم يك هناك رأي عام، وكان رأي الحكومة الأعلى
لذلك عاش أدباء العربية طالبي فضل، يمدحون الأمير ويعيشون من عطاياه، وهي السبيل التي ألجئ إليها المتنبي بعد محنة سجنه، وعاش بها حياته على مضض باكياً مما هو به محسود، واستوزروا للأمراء وكتبوا وعملوا لهم، وطلبوا بذلك النجاح الشخصي لأنفسهم لا النفع الشامل لمجتمعهم. أما أدباء الإنجليزية فقل منهم من عاش في ركاب الملوك ومن فضلهم على هذا النحو، وكان أكثرهم أما مثرين غانين عن العمل لكسب القوت متوفرين على فنهم وحده، وأما مساهمين في الحياة العملية بجانب الحياة الفنية، فكان منهم من ضربوا بسهم في السياسة والدين والحرب والكشف الجغرافي وكبار وظائف الدولة، ومن أولئك فيلب سدني وبيكون ورالي وملتون وبنيان وأديسون وبيرون، وكان أكثرهم في صف الشعب وجانب الحرية
بل كان من أدباء الإنجليز من عاف الاجتماع الإنساني قاطبة، ونقم على أنظمة الملكية والكنيسة، وكره التقاليد والأعراف السائدة، وحاول إنشاء مجتمع جديد تسوده البساطة والمساواة ومن هؤلاء شعراء عهد الثورة الفرنسية، فالكتاب الفرنسيون الذين مهدوا لتلك الثورة أمثال فلتير وروسو اكتفوا بالعمل النظري وتركوا التنفيذ لغيرهم؛ أما معاصروهم ومن جاءوا بعدهم من أدباء الإنجليز، فحاول بعضهم تنفيذ مبادئهم بأنفسهم، ولهذا الغرض أنتقل بركلي إلى أمريكا وشلي إلى أرلندة، يريد كل منهما إنشاء مدينته الفاضلة، وإن كانا قد منيا بالفشل لضخامة المشروع. وعاضد وردزورث الثورة الفرنسية بقوة لمناداتها بمبادئها المعروفة حتى نقم على دولته إعلانها الحرب على فرنسا الثائرة، وكاد ينتظم في أحد أحزاب الثورة، ويركب تيارها الخطر، واستشهد بيرون في حرب استقلال اليونان
ولقد أبدى بعض أدباء العربية في عهد نضج الحضارة والثقافة والأدب شغفاً بتتبع أحوال الناس ومعايشهم وعاداتهم وأخلاقهم وظهر ذلك في كتب الجاحظ؛ على أنه كان يروي الأشياء على علاتها ويخلطها بفكاهاته؛ وفي مقامات البديع، ولم يكن أيضاً يزيد على التصوير المجرد، فإذا ما صرح بسخطه على بعض الأحوال والأحكام والأنظمة، فتصريحاً