الحروب، وابن الرومي بوصف الفواكه والمآكل وتصوير الشخصيات الهزلية
ولما تغلبت الصناعة وطلبت البراعة اللفظية والنكتة المعنوية والتأنق والتظرف، انعدم الحس أو كاد في الوصف، وتعلق الأدباء بوصف توافه الأشياء كالمحبرة أو الإسطرلاب أو القلم أو الكأس، أو ما شابه ذلك مما هو في غنى عن الوصف، وما وصفه إلا تحصيل حاصل وإضاعة وقت، فإن الأصل في الوصف الفني كما تقدم أن يكون له باعث من شعور صميم، لا أن يكون الغرض منه حكاية تفاصيل باردة فاترة. وقد أولع بذلك الضرب من الوصف النظري ابن المعتز وابن خفاجة وكشاجم؛ فلما أوغل الأدب في التصنع وجانب الأدباء كل ذوق وكل معقول في التعمل والأغراب، انقلب الوصف في أيدي أكثرهم ألغازاً، فألغزوا في أنواع المآكل والأسماء والآلات، وبأمثلة هذا الضرب من الأحاجي السقيمة تمتلئ مقامات الحريري وأشعار ابن نباتة المصري وأضرابه
والأدب الإنجليزي حافل منظومه ومنشوره بمحاسن الأوصاف؛ بيد أن باب الوصف فيه مخالف للوصف في الأدب العربي من وجوه شتى: فهما مختلفان في الموضوعات التي اتخذها كل منهما مادة وأدمن طروقها؛ فقد تناول الأدب العربي - كما تقدم - وصف أنواع من الحيوان، ووصف مظاهر اللهو والرفاهية، وتناول بعد ذلك قليلاً من وصف الطبيعة والمجتمع؛ أما الأدب الإنجليزي فهو أحفل بوصف هذين الأخيرين منه بوصف أي شيء آخر، فالطبيعة كانت قبلة أكبر شعرائه وكتابه وشغلهم الشاغل، ووصفها كان دأبهم أياً طرقوا من موضوعات القول، فامتلأ الأدب الإنجليزي بكنوز من أوصاف الطبيعة، تكاثر ما قيل في أي باب آخر من أبواب الشعر والنثر؛ فالوصف الطبيعي مادة جانب عظيم من الشعر الإنجليزي، كما إن الوصف الاجتماعي مادة جانب عظيم من القصص والدرامات
وفي الأدب الإنجليزي ضرب آخر من الوصف يستأثر به دون الأدب العربي، على إنه من صميم الفن وأعلق نواحيه بالإنسانية الشاملة والشعور العميق، ذلك هو وصف آثار الأقدمين من عمائر وحصون وتماثيل وصور وأبناء وعظائم، ففي ذلك كله منادح للخيال ومجال للابتداع ومذاهب للفكر، وتأملات في أحوال الإنسان وتقلب العصور والأحداث، وتعظيم لقدرة الإنسان وتقدير للفنون، وكل ذلك يكاد يكون معدوماً في الأدب العربي، والمثل الرائع الفريد في هذا الباب هو سينية البحتري التي لو كثرت مثيلاتها في الأدب