للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

العربي لكان أرفع قدراً، وكان أعلامه أسير في العالمين ذكراً

ولم يقتصر أدباء الإنجليزية على آثار التاريخ يستوحونها ما فيها من منادح الوصف الشائق والتصوير المجسم، بل عمدوا إلى الخرافة ولعلها أحفل بذلك من التاريخ، إذ كانت أحفل منه بآثار الخيال وأحلام الإنسانية ومثلها العليا في القوة والجمال والسعادة، فاتخذ الشعراء والقصاصون تلك الخرافات مادة وهيكلا لمنشآتهم، ورصعوها بما شاءت لهم براعتهم من أوصاف ووجدوا في أشعار هوميروس وفرجيل وقصص العصور الوسطى وأساطير الشرق والغرب مجالاً لفنهم، فأعادوا سرد ما راعهم من حوادثها ومواقفها سرداً فنياً مسهب الوصف مشبعاً بجميل المناظر والعواطف.

وكما يختلف الوصف في الإنجليزية عنه في العربية في الموضوع اختلافاً كبيراً، يخلفه في الوسيلة مخالفة معدودة، ففي العربية أوصاف بالغة من الكمال والإمتاع، بيد أنها جميعاً تعتمد على المعنى دون اللفظ، وعلى التشبيهات والمجازات، وتحتوي على كأن أو كاف التشبيه ظاهرة أو مستترة، أما في الإنجليزية فيستعين الشعراء بجنب هاتيك جميعاً على وسيلة أخرى، ليست أقل أداء للغرض وتصويراً للمنظر وإشباعاً للخيال والحواس، تلك هي الملاءمة بين صوت اللفظ وبين المعنى المصوغ فيه

وهذه الطريقة التي يلجأ إليها الإنسان عمداً وعن وعي في طور الأدب الفني، قد لجأ إليها في عهوده البدائية، أيام كان يصوغ ألفاظ لغته ويطلق كلاً منها على كائن من الكائنات، أو صوت من الأصوات، أو عمل من الأعمال، أو غير ذلك. فألفاظ الرشاش والشواظ والسلسبيل والسكون وغيرها، تدل بنطقها على مدلولها لأن الأقدمين إنما اشتقوها من هيئة مدلولاتها، فعلوا ذلك عفواً وبداهة، حتى إذا ما بلغ الأدب الطور الفني واستعان الشعراء والكتاب بالتدوين وأطالوا التجويد لما ينشئون استرعت الألفاظ انتباههم بعد أن كان جل اهتمامهم موجهاً إلى المعاني؛ وعند هذا الحد من التطور افترق الأدبان العربي والإنجليزي في طريقة استخدام الألفاظ. فأما الأدب العربي فجعل اللفظ غاية في ذاته، وجعل التأنق فيه مطمحاً مستقلاً، وأما الأدب الإنجليزي فعالج اللفظ وراضه وتأنق في صياغته، ولكن لا على أنه غاية في نفسه، بل على أنه وسيلة للمعنى لا أكثر

فإذا كان في المنظر المراد تصويره حركة كجريان نهر أو عدو جواد، استخدم الشاعر

<<  <  ج:
ص:  >  >>