الإنجليزي بحراً من بحور الشعر يلائم تلك الحركة، وإذا كان به صوت أو أصوات مختلطة كهدير الأمواج أو قصف المدافع، اختار من الألفاظ تلك التي تحتوي على حروف خشنة قوية، وإذا كان يصف منظراً ساكناً وادعاً لم يذكر ذلك في القصيدة ذكراً، وإنما استعمل الألفاظ ذات الحروف اللينة كالسين مثلاً، وهناك عدا هذا وذاك ضروب شتى من الملاءمة بين الصيغة والمعنى يفتن فيها الشاعر الوصاف ما شاء له فنه، ككثرة العطف أو القطع، وتكرار الحروف أو الكلمات أو التراكيب أو الشطور أو الأبيات الكاملة. وقد اشتهر بالتفنن في هذا التصوير اللفظي تنيسون وسبنسر وملتون، بل سائر أقطاب الشعر الإنجليزي، بل جاراهم في ذلك بعض الكتاب مثل ستيفنسن
وقد وقع شيء من ذلك في بعض أشعار الوصف في العربية، ولكنه كان إلهاماً محضاً أو اتفاقاً عارضاً ساقت الشاعر إليه الصدفة السعيدة أو السليقة المجيدة، دون أن يتعمده عن وعي أو يتكلف فيه عناء كالذي تكلفه في استخراج ما به من تشبيه ومجاز. ويتجلى الفرق بين الأدبين في هذا الصدد في علم البديع فيهما: فالبديع في العربية يشمل الجناس والسجع وهلم جرا، وهي محسنات للفظ مستقلاً بنفسه وليست لها علاقة بالمعنى، أما علم البديع في الإنجليزية فيشمل الملاءمة بين جرس الألفاظ وبين المعاني التي تؤديها، ويشمل تشابه الحروف الأولى في جميع ألفاظ الجملة الواحدة لأداء المعنى بطريق الجرس أيضاً، وغير ذلك من حيل بلاغية ليست لها مصطلحات تترجم إليها في العربية، لأنها لم تكن من مألوف أدبائها
واللغة العربية بغزارة مادتها وتلاطم عبابها وتعدد أوزانها وقوافيها، وجمعها بين وعر الألفاظ ولينها، ودقيق الأوصاف وجليلها، وما لها من مرونة في التراكيب ورحب في الأساليب ومطاوعة لفن الأديب، هي خير معوان له على إبراز شتى الصور من جرس الحروف وتتابع الألفاظ وتجاوز التراكب، وتدفع الأوزان ورنين القوافي. انظر إلى الوزن كيف ساعد على إبراز المعنى في قول بشار في صوت مغنية:
تميت به أرواحنا وقلوبنا ... مراراً وتحييهن بعد هجود