النهضة الوطنية الاستقلالية، أو قل كانوا أئمة الثورة المصرية التي شبت نارها بعد أن خمدت جذوة الحرب، والتي هبت فيها الأمة المصرية تطالب بأن يعرف الناس لها أنها أمة حرة كريمة تريد أن تعيش في بلد حر كريم. كان هؤلاء الأئمة الأربعة عنوان الحياة السياسية الجديدة في مصر ثم في الشرق كله، وسيظلون عنواناً لهذه الحياة على اختلاف طبائعهم وأمزجتهم، وعلى تباين ميولهم وأهوائهم، وعلى ما بين شخصياتهم العظيمة الفذة من الاختلاف، ولن يستطيع مؤرخ أن يصور حرية مصر وحرية الشرق في هذه القطعة من الزمن التي تبتدئ بعد الحرب دون أن يعتمد في تصويره على هؤلاء الأئمة الأربعة في السياسة: سعد ورشديوثروت وعدلي رحمهم الله!
كان سعد من هذه الثورة المصرية الشرقية بمكان الجذوة القوية المضطرمة التي لا يعرف الخمود إليها سبيلا، والتي لا يمسها شيء إلا اضطرم، ولا يدنو منها شيء إلا التهب. والتي تبعث أشعتها القوية المحرقة إلى أبعد الأماكن منها فتذكي فيها ناراً، وتثير في جوها أواراً، وتخرج أهلها عن أطوارهم، وتدفعهم إلى حب الحياة بعد الموت، والعزة بعد الذل، والاستقلال بعد الخضوع والإذعان.
وكان رشدي من هذه الثورة بمكان الفقيه الذي يعرف كيف يستخرج الحق من الشبه، ويرد إليه حظه من الوضوح الذي لا يدع للشك فيه سبيلا، ثم يدافع عنه بالحجة الساطعة والرهان المستقيم والعاطفة الصادقة الحارة.
وكان ثروت من هذه الثورة بمكان المدبر الماهر ذي الحيلة الواسعة والمدخل الخفي والمخرج اللطيف كلما تحرجت المواقف وتعقدت الأمور.
وكان عدلي من هذه الثورة بمكان العقل الهادئ الرزين الحكيم، الذي لا يقوم إلا على بصيرة، ولا يقبل إلا على ثقة، وبعد تفكير طويل، وروية متصلة، ولا يأتي من الأمر شيئا إلا في أناة ووقار وهدوء، قلما تظفر بمثلها عند الزعماء. . . ولو أن الثورة المصرية الشرقية فقدت واحداً من هؤلاء الأربعة لما كان لها شكلها الذي نعرفها به، ولا طبعت بهذا الطابع الذي يميزها من غيرها من الثورات.
كانت أمزجة هؤلاء الأئمة الأربعة عناصر تكونت منها هذه الثورة المصرية الشرقية. وقد اختلفوا واختصموا، وجاهد بعضهم بعضا جهادا عنيفا. ولكن مزاج الثورة المصرية كان في