وكان للمسألة الحبشية أثرها القوي في التقرب بين إيطاليا وألمانيا، وتوجيه الأوضاع الجديدة للدبلوماسية الأوربية، فقد رأت إيطاليا بعد الذي لقيته أثناء اعتدائها على الحبشة من خصومة بريطانيا، أن تنسلخ نهائياً عن كتلة الدول الغربية، وأن تتقرب إلى ألمانيا النازية التي تؤمن بمثل مبادئها العسكرية العنيفة، والتي أيدتها وآزرتها خلال الأزمة الحبشية لأنها تجيش بمثل مطامعها الاستعمارية. وقد أثمر هذا التقرب بين الدولتين الفاشستيتين ثمرته في أوربا الوسطى وأوربا الشرقية؛ وتبدو نتائج هذا التطور واضحة في موقف إيطاليا نحو النمسا ومسألة انضمامها إلى ألمانيا (الآنشلوس)، فقبل التقرب الألماني الإيطالي، كانت إيطاليا تعارض هذا الانضمام بكل قوتها، وتعلن أنها مستعدى لتأييد الاستقلال النمسوي بالقوة المادية إذا اقتضى الأمر، ومازلنا نذكر موقفها في سنة ١٩٣٤ حينما وقعت الثورة النازية في النمسا، فقد حشدت بعض قواتها على الحدود النمسوية استعداداً لمقاومة أي حركة تقوم بها ألمانيا في سبيل الاستيلاء على النمسا. أما اليوم فإن السياسة الإيطالية حسبما تبين من مباحثات الدكتور شوشنج المستشار النمسوي والسنيور موسوليني، لا تريد أن تذهب في سبيل تأييد النمسا إلى هذا الحد، خصوصاً وأنها ترى مسألة الضم إلى ألمانيا بعيدة الحدوث في الوقت الحاضر؛ وتحاول السياسة الإيطالية فوق ذلك أن تباعد بين النمسا وتشيكوسلوفاكيا التي تربطها بروسيا علائق وثيقة. ومن جهة أخرى فإن التحالف الصغير المكون من تشيكوسلوفاكيا ورومانيا ويوجوسلافيا قد تصدعت أسسه من جراء التقرب بين يوجوسلافيا وإيطاليا وارتباطهما بميثاق صداقة وتفاهم؛ وهذا الميثاق الجديد فضلاً عن كونه يلطف حدة التنافس بين الدولتين، يمهد لنفوذ إيطاليا في البلقان؛ وهنا تصطدم جهود السياسة الفاشستية والسياسة النازية، ذلك أن ألمانيا تريد أيضاً أن تمكن لنفوذها في البلقان، وأن تستأنف زحفه القديم نحو الشرق؛ ولكن إيطاليا استطاعت أن تسبقها في هذا الميدان على ما يلوح، وذلك بعقد الميثاق اليوجوسلافي، والتقرب إلى تركيا الكمالية تقرباً ربما أسفر في القريب العاجل عن عقد ميثاق بين الدولتين؛ كذلك تتودد إيطاليا إلى اليونان وتعمل على توثيق العلائق معها
وهكذا تنشط السياسة الفاشستية للعمل السريع الحاسم في حوض الدانوب وفي شرق أوربا؛ وتعمل السياسة النازية من جانبها، في نفس الميدان، في الحدود التي خصصت لنفوذها فيما