وقد نظم شلي قصيدة في قرابة مائة بيت، حين استرعى تفكيره هبوب ريح الشتاء الباردة في إيطاليا، فصور عصفها بالأوراق الجافة، ودفعها البذور إلى حيث تنام في التربة حتى ينبهها الربيع بدفئه وطيب أوانه، وشبه ثوران عاصفتها على الأفق بالشعور المتهدلة عن رأس ما يناد إحدى العرائس الخرافية، ووصف اقشعرار النبات المائي في قاع المحيط لدى إحساسه مرور تلك الرياح، ثم طلب إلى الريح أن ترفعه كما ترفع تلك الأوراق وتدفعه كما تدفع تلك البذور، وتنفخ فيه من قوتها، وتتخذه ناياً لها، عله يستطيع أن يطير بأجنحتها، ويبذر بين الخلق بذور أفكاره الإصلاحية التي كان أميناً لها طول حياته. ولشكسبير مقطوعة عن ريح الشتاء أيضاً في رواية (كما تشاء)، يسترسل فيها في التأمل على ذلك نحو؛ أما الشاعر العربي فإذا استرعى انتباهه هبوب الريح فيودع خاطره أوجز لفظ، واصفاً تهييج الريح لذكرياته أو محملاً إياه سلامه إلى أحبائه، كما قال بشار:
هوى صاحبي ريح الشمال وإنما ... أحب لقلبي أن تهب جنوب
وما ذاك إلا أنها حين تنتهي ... تناهى وفيها من عبيدة طيب
والغريب أنه برغم غنى الأدب الإنجليزي بآثار الخيال وندرة تلك الآثار في الأدب العربي، ترى كلمات الخيال وخيال الشعراء والمخيلة وغيرها كثيرة التداول في العربية نادرة الورود في النقد الإنجليزي؛ وإنما كان نقاد العربية يطلقون اسم الخيال على أبعد الأقوال عن مجال الخيال الصحيح، يطلقونه على ما درج عليه الشعراء المداحون من اختراع مواقف الغرام في استهلال قصائدهم، وتلفيق صفات الجود والبأس لممدوحيهم، ومن ثم اشتهر البحتري بالخيال، لا لأنه دبج القصص المحكم أو نظم المطولات الرائعات بل لأنه كان من أمضى الشعراء في بابي المديح والغزل الاستهلالي، ومن أكثرهم ذكراً للأطياف والوداع واللقاء، وليس تحت مثل هذا الخيال طائل، إذ قوامه التكلف والمحال والإيغال في البعد عن حقائق الحياة والشعور، بينما أخص خصائص الخيال الفني الصحيح صدق البيان للشعور الصحيح في أعمق أعماقه وأرحب آفاقه
فإذا قال بشار إن الجود من كف ممدوحه يعدي، وقال أبو تمام إن ممدوحه لا يستطيع قبض أنامله لأنه تعود بسطها بالعطاء، وقال المتنبي إن أسنان صواحبه برد خشي أن يذيبه من حر أنفاسه فكان هو الذائب من حر أشواقه، وإذا شبه ابن المعتز الهلال بمنجل يحصد