نجوم الليل حصداً، أو شبه ابن خفاجة النهر وعشب ضفافه بهدب يحف بمقلة زرقاء، فقد باعدوا جميعاً وأغربوا وخالفوا حقائق المنطق والشعور، وجاءوا بما هو أشبه بعبث الصبيان وهذر المخمورين، وكان قولهم أبعد الأشياء عن الخيال، فالخيال ليس هو تجاهل حقائق الحياة وتحديها والتفنن في مناقضتها، وإنما هو قدرة الفكر على استيعابها والاشتمال على قريبها وبعيدها، والتصرف فيها والتفنن في عرضها، ولا غرو إذ كانت تلك نظرة نقاد العربية إلى الخيال أن قالوا إن أعذب الشعر أكذبه، والحق أن أعذب الشعر أصدقه، وأجود الخيال أكثره اشتمالاً على الحقيقة
وغزارة آثار الخيال في الأدب الإنجليزي ترجع لاشك إلى اختلاف مناظر الطبيعة في إنجلترا وتعددها وتقلب أحوال الجو، ثم هي ترجع إلى اتساع أذهان الإنجليز باقتباسهم حضارة أوربا ومساهمتهم فيها، وإلى الكشوف الجغرافية العظيمة التي عاصرت نهوض الأدب الإنجليزي، وهي ترجع أيضاً إلى اطلاع الإنجليز على الأدب اليوناني الحافل بروائع الحوادث والأساطير، المملوء بأشعار الملاحم والدرامات، فقد كان لشعراء الإنجليزية وكتابها من ذلك معين لا يفنى، وكان الاطلاع على التراث الكلاسي بمثابة كشف جغرافي آخر واطلاع على عالم ثان غير هذا العالم المعهود، مما أطلق الأذهان إلى غايات الخيال، وكان للأدب العامي في ذلك أثره أيضاً
وترجع ضآلة حظ الأدب العربي من الخيال الصحيح السامي، وكثرة ما به من آثار التخيل الزائف، إلى نزعة الجمود التي كانت تسوده وتقره دائماً على محاكاة الأقدمين واحتذاء الأدب الجاهلي، وهذا بطبيعته المتبدية وبيئته الصحراوية التي ترعرع فيها، أدب أولى قليل الحظ من الخيال كثير الالتزام للواقع الحاضر؛ هذا إلى اشتغال الأدباء بمدح ذوي السلطان واجتهادهم في تخيل كل منقبة وإضافتها إليهم؛ أضف إلى ذلك أن الأدب العربي لم ينتفع كما انتفع الأدب الإنجليزي بأدب الإغريق، فحجبت عنه تلك العوالم الزاخرة بالحقائق والخيالات. وقد اطلع العرب على فلسلفة الإغريق فحاكا غير واحد من فلاسفتهم جمهورية أفلاطون بتخيل المدينة الفاضلة، ولو اطلعوا كذلك على أدبهم لاستفادوا منه فائدته المحتومة
ظل الأدب العربي مكبوح الخيال ملتزماً للواقع مؤثراً للإيجاز متشبثاً بالرواية التاريخية المسندة، وترك الخيال الواسع للعامة يسبحون في عوالمه التي تستهوي النفس الإنسانية،