أجنبي غير مرغوب فيه لا بموافقة القنصلية التابع لها.
وقد كان الأمل معقوداً بأن يكون إنشاء المحاكم المختلطة خطوة موفقة في سبيل الإصلاح، وفي سبيل تخفيف الأغلال التي تحد من السيادة المصرية، ولكن ظهر بمضي الزمن أن المحاكم المختلطة جاءت بالعكس عبئا باهظاً على السيادة المصرية وإنها ذهبت في أحكامها، وفي تفسيراتها القضائية وفي مزاعم اختصاصها إلى حدود غير معقولة حتى غدت أشبه بدولة داخل الدولة، وغدت حصناً للنفوذ الأجنبي، وسياجا منيعا لحماية المصالح الأجنبية؛ وابتدعت المحاكم المختلطة نظرية الصالح المختلط، فادعت الاختصاص في كل قضية وكل نزاع فيه صالح أو شبة صالح لأجنبي، وتوسعت في تفسير كلمة أجنبي بحيث شملت كل الأجانب التابعين للدول الممتازة وغير الممتازة والرعايا المحميين وغيرهم، وأضحت رقيبا على السلطة التشريعية فيما تصدره من قوانين يراد سريانها على الأجانب مهما كان نوعها وغرضها.
وشعرت الحكومة المصرية وشعرت مصر كلها بفداحة هذه الأغلال المرهقة التي تقيد سيادتها وسلطاتها من جراء هذا النظام الشاذ الذي فرضته عليها الامتيازات الأجنبية، والذي غدا بما يسبغه على الأجانب من الحقوق والمنح الاستثنائية، وصمة في جبين الأمة تؤذي شعورها وكرامتها؛ هذا فضلا عن كونه قد غدا بما يسبغه على سفلة الأجانب وأفاقيهم من ضروب الحماية غير المشروعة، وما يمكن لهم من ضروب العيث والفساد والإجرام الدنيئة - خطرا على الأمن والنظام والصحة والأخلاق العامة. لذلك لم تنس البلاد، منذ اضطرمت بحركتها الوطنية الكبرى أن تعتبر قيام الامتيازات الأجنبية كارثة قومية لا تزول إلا بزوال هذه الامتيازات.
- ٢ -
ولما وفقت مصر بعد طول الكفاح إلى التفاهم مع بريطانيا العظمى واستطاعت أن تفوز منها بوثيقة استقلالها بعقد المعاهدة المصرية الإنجليزية في أغسطس الماضي، كانت مسألة الامتيازات الأجنبية ضمن المسائل الجوهرية التي تناولتها، ووضعت قواعد خاصة لحلها.
فقد نص في المعاهدة المصرية الإنكليزية في المادة الثانية عشرة على ما يأتي:
(يعترف صاحب الجلالة الملك والإمبراطور بأن المسئولية عن أرواح الأجانب وأموالهم