للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قبل!) وكان كما تعلم رجلا مفراحا ممراحاً، وكان من أظرف الرجال واحبهم إلى الناس، فلم يلبث أن عاد من مصنع الأصباغ القريب وفي يده تلك الصبغة المذكورة وقد ألصقوا بجزيئها المجموعة الكبريتية المطلوبة فتغير تركيبها التغير (القليل) المطلوب

وضرب شيجا بمحقنه تحت جلد فأرين يطلق فيها تريبنسومات داء الورك. ومضى يوم؛ ثم أعقبه يومان، فأخذت عيون الفأرين تلتحم جفونها بهلام الموت، وقف شعرهما وتعامد هلعا من الفناء المنذر، ولم يبق إلا يوم واحد حتى ينتهي أمرهما جميعا. . . ولكن صبرا! فتحت جلد أحدهما ضرب شيجا محقنه يطلق في جسمه تلك الصبغة الجديدة الحمراء التي تغير تركيبها (قليلا). وشهد إرليش ما صنع شيجا، واخذ يتمتم ويدمدم ويقيس الأرض بخطى ذاهبة آيبة، ويضرب بيديه ورجليه. وما هي إلا دقائق حتى أخذت إذنا هذا الفأر تحمران وانفتحت عيناه بعد انغلاق، وأخذ بياضهما يستحيل إلى لون الورد فيزيد في احمراره على حمرة إنسانيهما. هذا يوم إرليش الأسعد. هذا اليوم الذي خبأته له الأقدار طويلا وخبأت فيه مجده. فتلك التريبنسومات ذابت بدم الفأر ذوبانا في وجه هذه الصبغة كما ذوب ثلج الأرض إذا طلعت عليه شمس إبريل الدافئة. تساقطت كل هذه المكروبات واحدة بعد واحدة حتى أخيرة الوحدات، أسقطتها تلك الصبغة المسمومة، تلك الرصاصة المسحورة التي طلبها طويلا حتى وجدها أخيرا. والفأر ماذا كان منه؟ انفتحت عيناه بعد انغلاقها وأخذ يجوس بمنخره في سقاطة الخشب بقاع قفصه حتى جاء يتشمم جثة زميله الذي لم يعالج بالصبغة وقد ارتمت هامدة باردة يرثى لها.

هذا أول فأر على ظهر هذه الأرض نجا من شِرّة هذا المكروب. أنجاه إرليش بفضل المثابرة والحظ، وبفضل الله، وبفضل صبغة أسموها (أحمر التريبان وأما اسمها الكيماوي فيطول. كثيرا وما أنجاه حتى زاد جرأة على جرأته، وزادت أحلام هذا اليهودي الألماني توثبا. قال يحلم: (ها قد وجدت صبغة تشفي فأرا فلأجدنّ أخرى تشفي ألف ألف رجل)

ولم يتحقق رجاؤه بالسرعة التي تمنى، واستمر شيجا يضرب أحمر التريبان في أجسام الفيران في جلد شنيع، فشفيت بعضها وساء حال بعضها. وقد يظهر على أحدها أنه برئ فيلعب ويمرح في قفصه، ثم يمضي عليه ستون يوماً فيطلع عليه الصباح بسوء المزاج، فيأتي شيجا فيقص قطعة من ذيله ثم يدعو إرليش ليريه المكروب الحي الفظيع وقد كثر في

<<  <  ج:
ص:  >  >>