بعد سقوط غرناطة بثمانية وسبعين عاماً؛ وكان التنصر قد عم الموريسكيين يومئذ وغاضت منهم كل مظاهر الإسلام، ولكن قبساً دفيناً من دين الآباء والأجداد كان لا يزال يجثم في قراره هذه النفوس الأبية الكليمة؛ ولم تنجح إسبانيا النصرانية بسياستها البربرية في اكتساب شيء من ولائها المغصوب، وكان الموريسكيون يحتشدون في جماعات كبيرة وصغيرة في بسائط غرناطة وفي منطقة البشرات الجبلية تتوسطها الحاميات والكنائس، لتسهر الأولى على حركاتهم، وتسهر الثانية على إيمانهم وضمائرهم، وكانوا يشتغلون بالأخص بالزراعة والتجارة، ولهم صلات تجارية وثيقة بثغور المغرب.
وكانت بقية من التقاليد والمظاهر القومية لازالت تربط هذا الشعب الذي زادته المحنة والخطوب اتحاداً وتعلقاً بتراثه القومي والروحي؛ وكانت الكنيسة تحيط هذا الشعب العاق الذي لم تنجح تعاليمها في النفاذ إلى أعماق نفسه بكثير من البغضاء والحقد؛ فلما تولى فيليب الثاني الملك ألفت فرصتها في أذكاء عوامل الاضطهاد والتعصب. وكان هذا الملك المتعصب حبراً في أعماق نفسه، يخضع لوحي الأحبار والكنيسة، ففي سنة ١٥٦٣ ظهرت بوادر السياسة الجديدة إذ صدر قانون جديد يحرم حمل السلاح على الموريسكيين إلا بترخيص الحاكم العالم؛ فأثار صدوره سخط الموريسكيين؛ بيد أنه كان مقدمة لقانون بربري جديد أعلن في غرناطة في يناير سنة ١٥٦٧ وهو الشهر الذي سقطت فيه غرناطة واتخذته إسبانيا عيداً قومياً تحتفل به كل عام وكان القانون الجديد يرمي إلى القضاء على آخر المظاهر والتقاليد التي تربط الموريسكيين بماضيهم وتراثهم القومي، فحرم عليهم أن يتكلموا العربية أو يتعاملوا بها، وأن لا يستعملوا سوى القشتالية في التخاطب والتعامل وذلك في ظرف ثلاثة أشهر من صدور القانون، وألا يتخذوا أسماء عربية، أو يرتدوا الثياب العربية، وحظر التحجب على النساء وألزمن بارتداء الثياب الأوربية المكشوفة وذلك في ظرف عام، وأن تبقى بيوتهم مفتوحة أثناء حفلات الزواج وغيرها ليستطيع القسس ورجال السلطة أن يروا ما يقع بداخلها من المظاهر والمراسيم المحرمة، وألا ينشدوا الأغاني العربية أو يزاولوا الرقص العربي، وفرضت للمخالفين عقوبات فادحة تختلف من السجن إلى النفي والإعدام.
أعلن هذا القانون في غرناطة في ميدان باب البنود أعظم ميادينها القديمة في يناير سنة