١٥٦٧؛ ونستطيع أن نتصور وقعه لدى الموريسكيين فقد فاضت قلوبهم سخطاً وأسى ويأساً، وحاولوا أن يسعوا بالضراعة والحسنى لإلغائه أو على الأقل لتخفيف وطأته، فاجتمع أعيانهم وقرروا التظلم للعرش، وحمل رسالتهم إلى فيليب الثاني والى وزيره الطاغية اسبنوسا، سيد إسباني نبيل من أعيان غرناطة يدعى الدون خوان هنريكس، وقد كان يعطف على هذا الشعب المنكود ويرى خطر السياسة التي اتبعت لإبادته؛ ولكن وساطة ذهبت عبثاً وحملت سياسة العنف والتعصب وكل شيء في طريقها، ونفذت الأحكام الجديدة في المواعيد التي حددت لها، وأحيط تنفيذها بمنتهى الصرامة والشدة.
عندئذ بلغ اليأس بالموريسكيين ذروته، فتهامسوا على المقاومة والثورة والذود عن أنفسهم إزاء هذا العسف المضني أو الموت قبل أن تنطفئ في قلوبهم وضمائرهم آخر جذوة من الكرامة والعزة وقبل أن تقطع آخر صلاتهم بالماضي المجيد والتراث العزيز.
- ٢ -
وهنا يبدأ الصراع الأخير بين الموريسكيين وإسبانيا النصرانية؛ ومن الأسف أننا لم نتلق عن هذا المرحلة المؤسية من تاريخ إسبانيا المسلمة شيئاً من الروايات العربية، وكل ما انتهى إلينا منها عن المأساة أثر صغير يسمى (أخبار العصر في انقضاء دولة بني نصر) كتبه فيما يظهر مسلم أو موريسكي من أشراف غرناطة وذلك سنة ٩٤٧هـ (١٥٤٢م) أعني بعد سقوط غرناطة بخمسين سنة. وفيه يصف حوادث سقوطها وما تلا ذلك من إرغام المسلمين على التنصر، ومن مطاردتهم وإرهاقهم وتعذيبهم، ويجمل لنا مأساة التنصر في هذه الكلمات المؤثرة.
ثم بعد ذلك دعاهم (أي ملك قشتالة) إلى التنصر وأكرههم عليه وذلك في سنة أربع وتسعمائة، فدخلوا في دينهم كرهاً، وصارت الأندلس كلها نصرانية، ولم يبق فيها من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، إلا من يقولها في قلبه وفي خفية من الناس، وجعلت النواقيس في صوامعها بعد الآذان، وفي مساجدها الصور والصلبان بعد ذكر الله وتلاوة القرآن. فكم فيها من عين باكية وقلب حزين، وكم فيها من الضعفاء والمعذورين لم يقدروا على الهجرة واللحوق بإخوانهم المسلمين قلوبهم تشتعل ناراً، ودموعهم تسيل سيلاً غزيراً، وينظرون أولادهم وبناتهم يعبدون الصلبان ويسجدون للأوثان ويأكلون الخنزير والميتات