الوفود والجموع من كل ناحية، واحتفل الموريسكيون بتتويجه في احتفال بسيط مؤثر، فرشت فيه على الأرض أعلام إسلامية ذات أهلة فصلى عليها الأمير متجهاً صوب مكة، وقبل أحد أتباعه الأرض رمزاً بالخضوع والطاعة، وأقسم الأمير أن يموت في سبيل دينه وأمته، وتسمى باسم ملوكي عربي هو محمد بن أمية صاحب الأندلس وغرناطة. واخنار محمد عمه الملقب (بالزغوير) قائداً عاماً لجيشه، وقد كان صاحب الفضل الأكبر في اختياره للرياسة، وبعث ابن فرج على رأس بعض قواته إلى هضاب البشرات ليجمع ما استطاع من أموال الكنائس، واتخذ مقامه في أعماق الجبال في مواقع منيعة، وبعث رسله في جميع الأنحاء يدعون الموريسكيين إلى خلع طاعة النصارى والعودة إلى دينهم القديم
ووقعت نقمة الموريسيكيين بادئ ذي بدء على النصارى المقيمين بين ظهرانيهم في أنحاء البشرات ولاسيما القسس وعمال الحكومة؛ وكان هؤلاء يقيمون في محلات متفرقة سادة قساة يعاملون الموريسيكيين بمنتهى الصرامة والزراية، وكان القسس بالأخص أس بلائهم ومصائبهم؛ ومن ثم فقد كانوا ضحايا الفورة الأولى. وانقض ابن فرج ورجاله على النصارى في تلك الأنحاء فمزقوهم تمزيقاً. وقتلوا القسس وعمال الحكومة، ومثلوا بهم أشنع تمثيل، وكانت حسبما تقول الروايات القشتالية مذبحة عامة لم ينج منها حتى النساء والأطفال والشيوخ؛ وذاعت أنباء المذبحة الهائلة في غرناطة فوجم لها الموريسيكيون والنصارى معاً، وكل يخشى عواقبها الوخيمة، وكان الموريسكيون يخشون أن يبطش النصارى بهم انتقاماً لمواطنيهم، وكان النصارى يخشون أن يزحف جيش الموريسكيين على غرناطة فتسقط المدينة في يدهم وعندئذ يحل بهم النكال الرائع. بيد أن الرواية القشتالية تنصف هنا محمد بن أمية فتقول أنه لم يحرض على هذه المذابح ولم يوافق عليها، بل لقد ثار لها وعزل نائبه ابن فرج عن القيادة، فنزل عنها راضياً واندمج في صفوف المجاهدين، وهنا يختفي ذكره ولا يبدو على مسرح الحوادث بعد
- ٤ -
وكانت غرناطة في أثناء ذلك ترتجف سخطاً وروعاً؛ وكان حاكمها المركيز منديخار يتخذ الأهبة لقمع الثورة منذ الساعة الأولى، بيد أنه لم يكن يقدر مدى الانفجار الحقيقي، فغصت غرناطة بالجند، ووضع الموريسكيون أهل البيازين تحت الرقابة رغم احتجاجهم وتوكيدهم