وغيرها، تراثاً متداولاً بين الشعراء من جيل إلى جيل، إذا تفنن الشاعر صاغ بعضه صياغة جديدة أو ولد منه بعض التوليد، فإذا اتفق له أن صاغ معنى قديماً صياغة جديدة يفوق صياغة صاحبه الأول صفق له النقاد وقالوا سرقة مغفورة ولص ظريف هو أولى بالمعنى من صاحبه لأنه أجود لفظاً، كما قيل في بيت البحتري في مدح المتوكل:
فلو أن مشتاقاً تكلف فوق ما ... في وسعه لمشى إليك المنبر
أخذه وتصرف فيه من قول أبي تمام:
تكاد مغانيه تهش عراصها ... فتركب من شوق إلى كل راكب
كان الشعراء إذا صرفوا القول إلى المديح أتوا بالمعاني الجوفاء الهزيلة، واحتفوا باللفظ يدارون بزخارفه ركاكة المعنى، وكان أكبر شعراء العربية في طور الأدب الفني مداحين، فامتلأ الأدب العربي بذلك الضرب السقيم المعاني الطنان الألفاظ؛ وإنما كان الشعراء يبتكرون المعاني الجيدة يلبسونها من اللفظ أجمل لبوس حين ينظمون في غير المديح من الوجوه التي يدفع إلى النظم فيها شعور صحيح وفكر ثاقب، فكانت من ذلك حكم المتنبي وأوصاف ابن الرومي ونظرات المعري، كما ظهرت في الأدب العربي تلك الظاهرة الفريدة، وهي أن أشعار كثير من المقلين وممن يعدون في الطبقة الثانية من الشعراء كالصولي والإمام الشافعي، تروع النفس بصدقها وحصافتها، أكثر مما تروعها أشعار المكثرين المشهورين، لأن أولئك المقلين كانوا لا ينظمون الشعر إلا تلبية لحافز نفسي، وهؤلاء المكثرين كانوا ينظمون ابتغاء التوال
ومن عوامل احتفاء أدباء العربية باللفظ أيضاً، أن الأدب العربي في ظل الدولة الإسلامية كان أكبره أدباً بلاطياً وأرستقراطياً، مكفوفاً عن شؤون المجتمع، منزوياً عن أكثر مواضيع القول ومجالات الفن ومسارح الأدب، من وصف الطبيعة والتأليف التاريخي الفني ووصف آثار الأقدمين في عالم الحضارة والفنون، وسبحات الخيال في عوالم الحقيقة والخرافة، وتصوير آثار الرحلات والمغامرات، فلما حرم الأدب طرق هذه المواضيع الجمة الخصبة الحافلة بمنادح التفكير والشعور والقول، لم يبق لديه كبير مجال للابتكار في المعاني، فتوفر على الافتنان في الألفاظ يدور بها في مجالاته المحدودة الموروثة عن المتقدمين.
وزاد مجال القول ضيقاً حرمان الأدب العربي من الاطلاع على الأدب اليوناني؛ فلو كان