وجود حقيقي ملموس. ولا تصلح النقطة الهندسية أن تكون هي العنصر المنشود. لانها تحقق شرطاً واحداً وهو عدم قابلية التقسيم، ولكن لا يتوفر فيها الوجود الحقيقي، كذلك لا يجوز أن نفرض جسما ماديا كائنا ما كان حجمه، لأنه وإن توفر فيه الوجود الحقيقي، لا يحقق شرط البساطة، إذ لا يسعنا الا أن نتصور إمكان تجزئته إلى مالا نهاية له من الأجزاء. يقدم ليبنز هذا الاعتراض، ثم يزعم أن ذرات القوة هي العنصر المنشود. لانها موجودة لا ريب في وجودها. وليست مادية حتى تتهم بإمكان التقسيم. وهي فضلا عن ذلك منبثة في الكون بأسره، هذه القوى الأولية هي التي تتكون منها حقيقة كل شيء، فهي العنصر الذي بنيت منه المادة والروح على السواء. وهي تختلف عن المادة التي فرضها سبينوزا في انها ذرات فردية لا نهائية في عددها وطبيعتها. أما مادة سبينوزا فهي كتلة متحدة متجانسة كما تباين ذرات ديمقريطس في أنها ليست مادة متينة بل مشحونة بالحياة والحركة. وهي ليست مجرد تكرار الصورة بعينها بل متباينة مختلفة إلى أقصى حدود التباين والاختلاف في الكيف والفاعلية. حتى إنك لا تجد في الكون كله ذرتين متشابهتين، لأنه لو كان ذلك لكان خلق إحداهما عبثا لا مبرر له. ولهذه الذرات القوية (نسبة إلى القوة) خاصتان: فهي في آن واحد شاملة للكون ومنعزلة عنه. هي من ناحية وحدات بسيطة مستقلة وليس لها نوافذ تطل منها على العالم الخارجي أو ينفذ لها شيء منه، لا يمكن أن توجد من عدم كما يستحيل أن تعدم بعد وجود الا بإرادة الله. كل واحدة منها عالم صغير يسير بمقتضى طائفة من القوانين كما لو لم يكن في الوجود غيرها سوى الله. وهي من ناحية اخرى شاملة للكون، لانها وإن تكن منعزلة بنفسها مستقلة في سيرها الا أن لها من القوة ما تستطيع به أن تمثل كل ما يحتوي الكون من ذرات قوية، أو بعبارة أخرى كل ذرة ينعكس فيها الكون كله، بحيث لو استطعنا أن نصل إلى فهم واحدة فقد فهمنا الكون بأسره. فكل واحدة تحمل في طياتها ماضي العالم ومستقبله. ويعزو ليبنتز إلى هذه الذرات نوعا من الإدراك يختلف عن إدراك الكائنات المفكرة، أي أن هناك درجات للإدراك لا نهاية لها، ومعنى ذلك أنه لا يعترف بوجود المادة الميتة، إنما أجزاء المادة جميعا ضروب من الأحياء تختلف في كمية الحيوية والتفكير. وبعبارة أخرى يقول: أن هناك درجة من الإدراك الصحيح الكامل، ثم يأخذ هذا الإدراك في النقص والغموض كلما نزلت في سلم الكائنات،