بنور الآلهة، لا يقعدها المحيط الصاخب عن تغريدها، ولا تؤثر بها عوامل الحياة
ولكي يقف القارئ على صحة ما أقول، أورد له مثالاً من تأمله وتساؤله. قال في قصيدة جزلة مؤثرة تحت عنوان (المنشأ) أنالته مع غيرها جائزة (نوبل) في عام ١٩١٤:
(سأل الطفل أمه ذات مرة: أين كنت يا أماه، وفي أي مكان كنت تحتفظين بي؟
فارتعشت عواطف الأم حنواً وضمت طفلها إلى صدرها وأجابت:
كنت يا حبيبي مستتراً في أعماق فؤادي، بل كنت ماثلاً بين ألاعيب طفولتي. . فعندما كنت أنهض في الصباح لأجبل مثال الله العجيب من الطين لم أكن أجبل سواك
كنت يا بني في هيكل بيتنا المقدس سراً أعبده فأعبدك فيه. وهكذا نشأت في حياتي وحياة أمي من قبلي. فبآمالي ورغائبي كنت أغذيك، وبحرارة الروح الكامنة فيّ كنت أهيئك للحياة!
وبينما كنت لا أزال عذراء، كانت روحي تفتح كمائم زهرتك المزممة لتلفك بعبير الشوق والحنين. يوم ذاك كنت يا بني نوراً ضئيلاً يلمع في أحشائي كسنا الشمس عندما تنحسر عنه سجوف الظلام.
فيا حبيب السماء ووليد الصباح المشرق في وهاد قلبي: إني كلما تأملتك يغمرني فيض من العاطفة فأحس أنك لي وحدي، وأننا متحدان دائماً بالشعور والعاطفة
ولكن ليت شعري، أي القوى هي تلك التي جعلتني أحتفظ بك أيها الكنز الثمين؟
وفيما هو مصغ إليها، دب الموت في فؤاد الطفل فقال متمتماً:
- ها قد دنا الموت يا أماه ليذهب بي حيث يذهب الموتى أجمعون. . ولكن عندما يأتي المساء وتمدين يدك لكي تطبعي على شفتي قبلة ناعمة يمازجها العطف والحنان سيهتف بك هاتف من الظلام مغمغماً بأن لا تجدينني ههنا!
ولكن ثقي يا أماه بأني سأتحول نسيماً يقبل ثغرك كل حين، أو نوراً يضيء مأواك في الليالي الداجية المفعمة بعويل العواصف وأنين الرياح
وفي الليل، في ذكرياتك المحرقة عندما تناجين طفلك الحبيب، سأقول لك نامي يا أماه ولا تذكريني. فإني عندما يمسي البدر هلالاً أسيل مع الشعاع لأنام في حضنك الأمين!
وسأغدو حلماً يدخل من فتحات عينيك لأنزع من قلبك حزنه القاتل الساحق. ولكن إذا أفقت