للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وتقلق روعها؛ ولماذا لا يعيش الإنسان تلك المدة القصيرة في حب وسلام؟)

فمن هذه الجملة الوجيزة يستخلص القارئ صورة صحيحة لنفسية طاغور

وأما الشرق والغرب فهما في نظره أخوان توأمان يجب عليهما التقيد بقانون العدل والمساواة. وأنه ليس حقاً أن يظل الشرق عبداً للغرب كما هي الحال اليوم، فيسومه جميع أنواع الذل والعبودية

في عام ١٩٢٠ طاف طاغور في أنحاء العالم، ثم عرج أخيراً على - نيويورك - المدينة المنتعلة أجنحة الروح، والهازئة أبراجها الحديدية الصماء بأحلام الشرق وعوائده القديمة. . . فألقى هناك محاضرة فخمة عن مدينة الشرق وطابعها الفلسفي جاء فيها ما يأتي:

(الغرب يكون للشرق عوامل الحياة الراحلة، والشرق يعطي الغرب تعاليم الروح الخالدة. فيالله انظر أيها الغرب وتأمل. ألا يستطيع الشرق المستعبد أن يقدم لك غير أرضه ورقاب أبنائه؟

فإلى متى ينظر الغرب إلى الشرق نظرة السخرية والاحتقار، ومتى يستيقظ الغرب من نشوته العمياء؟

لا تصدق يا غرب عنا كل ما تسمعه من دعاة الاستعمار، فإن هؤلاء يصورون لك الشرق صورة متناقضة ينهش حقائقها التعاظل الممقوت. بل تعال أنت أيها الغرب الحر المتسامي، غرب أجناد الحق وأبناء الخلود، وادرس حياة الشرق الجميل. . . تعال بروح الحرية التي بنيت عليها حضارتك الأولى، فترى حينئذ كما نرى نحن أن الشرق الضعيف أهل للحرية، وأن في أعماق أخلاقه ومبادئه وميوله حكمة خالدة أسمى من الحياة المادية)

وكأني هنا - بطاغور - وقد رأى بعينيه جشع الغرب وتكالبه على امتلاك قطعة من الأرض، وشاهد انتحار الفضيلة فيه، واستيلاء الحياة المادية على عقول أبنائه، وتقلص الشعور من النفوس، وتلاشي حرارة الشعر، وتمشي الأطماع والأكاذيب في سننه وقوانينه فهو يقول (إن في أعماق روح الشرق وميوله جمالاً أسمى من الحياة المادية التي يعيشها الغرب) وإن ذاك الذي تضمه روح الشرق ومبادئه ليس سوى الوداعة المستحكمة من قلوب أبنائه، والطهارة الناشرة أجنحتها فوق قصوره وأكواخه، والنجوم التي تنير حقوله ووهاده. . . فتبدو الحياة في ذلك الشرق الشعري الخالب كأنها حلم من الأحلام الرائعة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>