الوسائل لإخفات صوت ذلك التاريخ، وتستعمل كل ما لديها من الحيل لإبعاد ذاكرة الأمة عن تاريخها الخاص.
كما نجد أن الشعور القومي عند الأمم المحكومة يأخذ في الخمود والتضاؤل عندما يسحب النسيان ذيله على (التاريخ القومي) ولا سيما عندما تنصرف الأمة عن تاريخها الخاص إلى (التاريخ) الذي تلفقه وتعرضه عليها السلطة الحاكمة. . حسبما تقتضيه سياسة السيطرة والاستعمار.
وأما عودة الشعور القومي إلى مثل هذه الأمم المحكومة فلا تتم إلا بعودة الذكريات التاريخية؛ ولا نغالي إذا قلنا: أن حركات الاستيقاظ والانبعاث ومجاهدات الاستقلال والاتحاد. . لا تبدأ إلا بتذكير الماضي واستلهام التاريخ، هذه حقيقة ناصعة تتجلى من بين صفحات التاريخ بوضوح تام.
فإن (حب الاستقلال) يتغذى بذكريات الاستقلال المفقود؛ والتوقان إلى السؤدد والمجد يبدأ بالتحسر على السيادة الماضية والمجد السالف؛ والإيمان بمستقبل الأمة يستمد قوة من الاعتقاد بماضيها الباهر، والنزوع إلى الاتحاد يزداد شدة وحماسة بتجدد ذكريات الوحدة المضاعة. . . هذه كلها حقائق ثابتة، تشهد بها جميع التواريخ، من تاريخ استقلال اليونان إلى تاريخ اتحاد الألمان، ومن تاريخ ثورة الصرب إلى تاريخ وثبة الأتراك. .
ولذلك كله نجد أن جميع علماء التربية يتفقون في القول بأن دروس التاريخ من أهم وسائط التربية الوطنية والقومية.
فهل يجوز - وهذه هي الحال - للمعلمين ن والمؤلفين أن يتعاموا عن ملاحظة تأثير المعلومات التاريخية في هذا المضمار، وألا يستفيدوا من تأثيرها هذا في تقوية الروح القومي وتوجيه الشعور الوطني نحو الأهداف التي يتطلبها مجد الأمة ونهوضها؟
- ٣ -
يظن البعض أن استخدام دروس التاريخ كواسطة للتربية الوطنية والقومية وتكييف كتب التاريخ لمقتضيات هذه التربية، هما من الخطط والنزعات الخاصة بالأمم التي تدار بالديكتاتوريات الوطنية؛ والواقع أنه لا فرق بين هذه الأمم وغيرها في ذلك. ونحن لا نعلم بوجود أمة بين الأمم الراقية تجردت عن هذه النزعة فأهملت الاستفادة من دروس التاريخ