نود أن نبحث عن علاقة فرنسا بوحدة إيطاليا: فإذا استعرضنا الحوادث التي تعاقبت في إيطاليا منذ حروب نابليون إلى حرب السبعين، ولاحظنا علاقة هذه الحوادث بسياسة فرنسا وأعمالها، وجدنا أن هذه السياسة كانت مساعدة لوحدة إيطاليا في بعض الأحوال والأدوار. ومعرقلة لها في أحوال وأدوار أخرى، فإذا ذكرنا النوع الأول من الوقائع دون أن نبحث عن النوع الثاني منها، أو إذا سردنا النوع الثاني من الوقائع دون أن نتطرق إلى النوع الأول منها. سنوصل قراءنا وطلابنا إلى أحكام متخالفة ومتعاكسة في هذا الباب. وهذا الاختلاف سيظهر حتى عند عدم إهمال ذكر نوع من نوعي هذه الوقائع إهمالاً تاماً، بل نتوسع في شرح أحد النوعين ونكتفي بإشارة مختصرة في النوع الآخر.
وهذا يحدث فعلاً في تدوين وتدريس هذه الوقائع التاريخية في مدارس كل واحدة من هاتين الدولتين. فإن الفرنسيين يوجهون الأنظار إلى الوقائع التي كانت من نوع المساعدة للوحدة الإيطالية، ويبرزون هذه الوقائع أكثر من غيرها. . في حين أن الإيطاليين - بعكس ذلك - يوجهون الأنظار إلى الوقائع التي كانت من النوع الثاني، ويتوسعون فيها أكثر من غيرها ولهذا السبب تجد أن رأي الإيطاليين في هذه القضية يختلف عن رأي الفرنسيين اختلافاً بيناً في معظم الأحوال.
وقد لاحظ الكثيرون من رجال الفكر والسياسة، التأثير الشديدة الذي يتأتى من دروس التاريخ في إدامة الضغائن وإثارة الحروب بين الأمم، فاخذوا يفكرون فيما يجب عمله في هذا الباب؛ وهذا ما حمل عصبة الأمم على الاهتمام بالأمر اهتماماً خاصاً، وتكوين فرع مختص بشؤون تعليم التاريخ بين جوانب معهد التعاون الفكري الأممي. . كما حمل عدداً كبيراً من المربين والمؤرخين على عقد مؤتمرات أممية عديدة للمداولة في القضايا المتعلقة بدروس التاريخ. . .
وإذا تتبعنا مناهج هذه المؤتمرات ونشراتها، ولاحظنا أعمالها ومقرراتها، نجد أنها لم تعارض قط في (استخدام التاريخ كواسطة للتربية الوطنية) وكل ما طلبته من المعلمين والمؤلفين في هذا الباب، انحصر في التماس السعي إلى تخليص دروس التاريخ وكتب التاريخ من الأبحاث والاتجاهات التي تثير الضغائن وتحول دون التفاهم والتقارب بين الأمم.