لجراثيم الأمراض فرصة العيث، فيلقى المرء نفسه غير قادر كما ينبغي على المقاومة، ويحس أنه أصبح طوع الجواذب؛ فإذا عرضت عليه كأساً لم يطل تمنعه، وقد تحدثه نفسه بأن ذلك ربما كان أجلب للنشاط وينسى رد الفعل الذي يعقب هذا النشاط المجلوب. وإذا خايله الجمال تحركت نفسه كما لا يمكن أن تتحرك وهو موفور القوة أو شديد التعب. وإذا استطرد الحديث إلى ما وراء الطبيعة جازف بالآراء وقطع وجزم بلا تردد أو تلعثم. وليس ذلك من الثقة بالنفس ولا من طول التدبر والنظر وإنما هو من الفتور الحاصل الذي يغري بالكسل واتقاء عناء البحث الذي يزيد به التعب. والمرء في هذه الحالة لا يكسل وهو شاعر بكسله ولا يتقي العناء وهو عارف بأنه يتقيه، وإنما يفعل ذلك بغريزته التي تدفعه من حيث يشعر ولا يشعر إلى وقاية نفسه والمحافظة عليها.
ومتى جاوز التعب - أعني الشعور به - الحد الذي يسهل احتماله ويهون الصبر عليه فقد استحال الحب. فالمتضور جوعاً، والذي يرعد من البرد، والذي به مغص أو غيره من المزعجات والمنغصات، والذي يكاد يسقط من فرط الإعياء، والذي يغالبه النوم ويثني رأسه النعاس الخ الخ لا يمكن أن يجد الحب سبيلاً إلى قلبه قبل أن يزول ذلك عنه، وإذا اتفق أنه كان عاشقاً فأنه لا شك ينسى حبه وعشقه حتى يشفى أو يستريح أو يشبع، ومن كان لا يصدق فليجرب وليختبر نفسه. وفي وسع كل إنسان أن يجعل باله إلى حالات نفسه في الصحة والمرض وفي الجوع والشبع وأن ينظر هل يكون له عقل يفكر في حبيب وهو جائع أو بردان أو متألم أو متهافت من النصب.
والمرأة تدرك هذه الحقائق بغريزتها الذكية، فهي دليلي على صحة ما أقول. واسألوا أنفسكم متى ترون المرأة تعنى بزينتها وعرض محاسنها على الرجل فلن تجدوها تفعل ذلك في الوقت الذي تحس فيه أن الرجل مستجم مستريح أي قادر على مقاومة مفاتنها، وإنما نراها تفعل ذلك وتلجأ إلى معونة الثياب المنسجمة على الجسم المبرزة للمفاتن، وإلى المساحيق التي تؤكد الإشراق والنضرة في وقت التعب الخفيف لا في وقت النشاط التام ولا وقت التقوض والانهداد. وأحسب أن من المفهوم أن كلامي هو على المرأة حين تتصدى للرجل بحكم طبيعتها لا عامدة ولا حين تخرج لعملها إذا كانت تعمل أو لقضاء حاجة لها فما تستطيع إلا أن تتزين إلى حد ما تبرز للناس لأن طبيعتها وتغريها بأن تحشد قوتها كلها