وسلاحها أجمعه على سبيل الاستعداد للمنازلة، ولو كانت فرصتها بعيدة فأن الأمر بين الرجل والمرأة أمر حرب - هي تقاتله وتحاول أن تغلبه بالجمال وهو سلاحها وهو يقاومها ويحاول أن يغلبها بقوته وجلده الخ، وقد يكون من غريب أمر هذه الحرب أن النصر فيها موزع وأن الذي يبدو فيها ظافراً كثيراً ما يكون هو المهزوم، وأن الذي يتظاهر بالتسليم وإلقاء السلاح عسى أن يكون هو الغالب المنصور بل الفريقان المقتتلان لا نصر لهما ولا هزيمة، وإنما النصر للحياة التي تسخرهما لغاياتها وتتخذ منهما أداة. ولكن هذا استطراد فلنعد إلى سؤالنا، ولنتوسع فيه قليلاً. فهل يظن أحد أن من المصادفات البحتة أن المرأة لا تتزين في الأغلب إلا في العصر أو المساء أو الليل؟. إن ثياب المرأة للزينة، قبل أن تكون للمنفعة - وكذلك ثياب الرجل إلى حد كبير - ولكن الزينة مقدمة على المنفعة عند المرأة، لأن المرأة هي الشرك الذي تنصبه الحياة للرجل، والزينة تؤكد الجمال وتبرزه. وهل يستطيع أحد أن يزعم أن هذه الثياب التي تلبسها المرأة لها أدنى نفع في وقاية أو ستر؟ ولكنها لا تعني بالزينة في الأوقات التي تقول لها غريزتها إنها تكون زيادة لا داعي لها ولا تأثير، مثل الصباح الباكر أو قبل الظهر حين يكون الناس جياعاً، فإذا مال ميزان النهار الذي هو وقت العمل الطبيعي وأحدث العمل اليومي أثره الذي لابد منه وأنتج السعي للرزق أو غيره ذلك الفتور الخفيف وأنشأ الرغبة في اللهو والتسرية عن النفس والتماس ما ينسي الإنسان تعب النهار ومشقات العمل ومتاعب الحياة - إذا جاء هذا الوقت رأيت المرأة معنية بزينتها وثيابها، ومن هنا كانت ثياب السهرة وتوخي المرأة فيها أن تجعلها ثياب جلوة، تجلو محاسنها كلها وتعرض مفاتنها وتحيلها أوقع في النفس، ولو كان الأمر إلى العقل وحده وإلى الفائدة المطلوبة من الثياب لما كان الليل أحق بهذه الثياب من النهار، ولكن الغرض ليس الفائدة بل الفتنة، والفتنة تكون أسهل ومطلبها أيسر بعد تعب النهار وبعد حلول الفتور الخفيف الخفي الذي يساعد على التغلب على الفريسة.
ولنسأل سؤالاً آخر: لماذا يحلو الغزل والمناجاة في الليل الساجي وفي ضوء القمر اللين ولا يحلوان تحت الشمس المحرقة وفي الظهر الأحمر؟. وأجمل الجواب اتقاء للإطالة فأقول: إن الليل هو وقت الفتور، وإن سهوم القمر وسكونه يزيدان هذا الفتور، وإن اجتماع الفتور الطبيعي بالليل بعد الكدح بالنهار واللين المفتر الذي يحسه الإنسان من ضوء القمر يجعل