مقاومة الإغراء أضعف، لما يحدثه ذلك من استرخاء الأعصاب وكسلها؛ وشيء آخر أحسبه حقيقة وإن كنت لا أعرف له علة وذلك أن للقمر أثراً محسوساً في حالة الأعصاب. ومن هنا يعتقد العامة أن طول النظر إلى وجه القمر يحدث الخبل ويورث الجنون؛ ولا أعرف علة لذلك ولست أدري أن العلم اهتدى إلى تعليل له، ولكن الذي أعرفه أن للقمر أثراً معترفاً به في المد والجزر، فما دام أن له هذا الأثر فماذا يمنع أن يكون أثره أبلغ وأوسع نطاقاً وأمس بحياة الجسم الإنساني وحالاته؟ إن الماء الذي يؤثر فيه القمر ليس شيئاً أجنبياً منا وإنما هو بعض ما نحيا به، بل هو أصل لا مكابرة فيه. ثم أن أثره في المرأة معروف، حتى أن الدورة عندها تحسب بالشهر القمري. والذي أعرفه أيضاً أن الناس من اقدم العصور قرنوا ضوء القمر بالجنون ولا تزال في اللغات المختلفة ألفاظ يفهم منها اقتران معنى الجنون بضوء القمر. بل إن اللفظ الدال على الجنون في لغات كثيرة مشتق من أسم القمر. وعسى من يسأل (ولكن ما علاقة هذا بالحب؟) والجواب أني لفت النظر إلى أن الغزل والمناجاة يكونان في الأغلب والأعم في الليل ويطيبان في ضوء القمر. وقد قلت إن تجربة الناس من أقدم العصور هدتهم إلى أن للقمر أثراً سيئاً في عقل الإنسان واتزانه؛ وقد بقي في لغاتهم أثر هذا الاعتقاد. وقد يكون أو لا يكون هذا صحيحاً ولكنه خلاصة تجارب الخلق ومشاهداتهم في عصور طويلة لا يعرف لها أول، وبعيد جداً أن يكون كله وهماً. ومهما يكن من ذلك فالمحقق أن ساعات الليل ساعات ضعف بالقياس إلى نشاط النهار بعد راحة النوم الكافي. فالتأثر بالجمال يكون فيها أقوى والمقاومة تكون أضعف.
وقد قلت أن الحب شرك تنصبه الطبيعة للإنسان لإبقاء الدنيا عامرة بنسله - لا أدري لماذا - ولكن هذا هو المشاهد على كل حال. ففي هذا يحسن أن أقول كلمة وجيزة: سئلت امرأة عجوز عن آرائها في بعض وجوه الحياة فقالت: إن سخافة الرجال تظهر في ثلاثة أمور: الأول أنهم يتكلفون عناءً شديداً ليتسلقوا الشجر ويقطفوا الثمر؛ ولو أراحوا أنفسهم وجلسوا ينعمون بالظل تحت أفنان الشجرة لألقت إليهم بثمرها في أوانه. والثاني أنهم يذهبون إلى الحرب ليقتل بعضهم بعضاً؛ ولو انتظروا لجاءهم الموت جميعاً. والثالث أنهم يجرون وراء المرأة؛ ولو كفوا عن ذلك لجرت وراءهم المرأة. فهذه عجوز حكيمة. وأحسب أن حكمة الصبر هذه يرجع الفضل فيها إلى السن العالية وما تجره من العجز. ولكن الواقع على كل