حال أن المرأة هي التي تطارد الرجل وليس الرجل هو الذي يطارد المرأة. وقد كنت في أول عهدي بالأدب أستنكر قول ابن الرومي:
أصبحت الدنيا تروق من نظر
بمنظر فيه جلاء للبصر
أثنت على الله بآلاء المطر
فالأرض في روض كأفواف الحبر
نيرة النوار زهراء الزهر
تبرجت بعد حياء وخفر
تبرج الأنثى تصدح للذكر
والشطر الأخير هو المقصود. وكنت أستثقل قوله إن المرأة تتبرج لتتصدى للرجل ولكن المرء يزداد فهمه للحياة على الأيام. وإنه ليضحكني الآن أن الرجل يتوهم أنه هو الصائد الجريء المقدام الذي يوقع منظره الخشن الرعب في قلب المرأة المسكينة الضعيفة! وإنما يضحكني أن هذا الوهم وما يفضي إليه من الغرور هما اللذان يوقعانه في شرك المرأة. فهو ينسى لغروره أنه لا يفكر في الحب إلا بعد أن تلقحه المرأة بجرثومته، أي بعد أن يصاب به. على حين كانت المرأة تعد عدتها لهذا اليوم وتتدرب على إجادة هذا الفن وتدرس كل أساليب الإغراء مذ كانت طفلة في المهد. وهذه مبالغة ولكني أريد أن أقول إن الطبيعة جعلتها أداة لإغراء الرجل وأعدتها بفطرتها لاجتذابه واستدراجه وإيقاعه في الفخ. وهي في هذا لا تحتاج إلى معلم، وحسبها غريزتها هادياً ومرشداً. وهي تتقن فن الاستدراج إتقاناً عظيماً وتعرف في أية لحظة ينبغي أن تزيد المسافة بينها وبين الرجل الذي تدعه يتوهم أنه هو الذي يبدأ بمطاردتها، وتعرف متى تتباطأ وتقصر الخطو، لتزيد أمله في إدراكها، فيقوى عزمه ويشتد عدوه وراءها والمرأة أعرف بالمرأة، أو هي أولى بذلك من الرجل وأخلق بأن تكون أقدر عليه، وقد وجدت في كتاب لكاتبة اسمها (الينورجلين) - واسم الكتاب (العاطفة التي تدعى الحب) هذه النصيحة التي يجدر بكل رجل أن يتدبرها قالت:
(قاعدة عامة - أول ما ينبغي أن تتذكريه هو ألا تظهري رغبة شديدة أو إقبالاً عظيماً أو لهفة، فأن الغرض هو الاستيلاء على الرجل. والرجل مهما بلغ من وداعته وضعفه يحب