ويستنتج الباحثون من هذا أن الإله (سيفا) ليس إلا إلهاً محلياً قديماً لونه الفاتحون بلون جديد ثم أقروه في الديانة المحدثة، كما أن تلك الرموز الحية في الديانة (الهندوأرية) هي بعينها الرموز الوطنية القديمة. وينجم عن هذا أن تكون الديانة الهندية المستحدثة بعد (البراهمانية الأرثوذوكسية) مزيجاً من الديانة المحلية المندثرة والديانة (الهندوآرية) ولكنه كان مزيجاً مجهولاً لدى الهنود أنفسهم ولدى جميع العلماء والمؤرخين حتى ظهرت استكشافات (بانيرجي) الأخيرة.
وتدل دراسة الديانة الهندية بوجه عام على أن الهند هي بعد مصر البقعة الثانية التي يصح أن يطلق عليها اسم أرض الآلهة والتي لا يفوقها في كثرة آلهتها وتعقد مشاكلها الدينية وصعوبة تحديد اختصاص الآلهة وسعة الخيال وخصوبته في تصوير المعبودات إلا بلاد الفراعنة.
الديانة المحلية
لم يصل الاكتشاف الحديث بعد إلى الدرجة التي يصح معها للباحث الدقيق - كما أسلفنا - أن يصدر حكماً جازماً على الدنيا المحلية التي سبقت عهد الاحتلال (الآري) إذ قد رأيت تناقض العلماء وتضارب آرائهم في هذا الموضوع حيث يقرر فريق منهم أن الوطنيين الأوليين كانوا أرقى عقلية وأعظم مدنية من الفاتحين. ويذهب فريق آخر إلى العكس فيقرر أنهم كانوا بطوناً منتثرة وقبائل متفرقة لا تربطهم مدنية اجتماعية ولا تجمعهم وحدة سياسية، ولكن الذي لا ريب فيه هو أن أولئك القوم كان لهم ديانة مهما تبلغ من السذاجة فإن لها قيمة تاريخية لا يصح للمشتغلين بتاريخ العقلية الإنسانية أن يهملوها. وتتلخص هذه الديانة في أن النار كانت هي المعبودة المقدسة التي تقدم إليها الضحايا والقرابين من لحوم مشوية وخمور معتقة وألبان وخبز وأعشاب صالحة للأكل أو للتخمير إلى غير ذلك، وأن كهنة النار الذين كانوا يتولون إيقادها كان لهم بين أفراد الشعب مكانة رفيعة وإجلال مفروض. وقد كان هؤلاء الكهنة سدنة للنار وسحرة وأساتذة فنيين يعلمون الشعب طقوس الدين وأركان العبادة.
وإنما كان هناك آلهة كثيرون، بعضهم يتمثل في الشمس وما تسكبه على الكون من نعمة الإضاءة والدفء والإنعاش، والبعض الآخر يتمثل في تنين هائل أو وحش مخيف. وكان