حرفة الأدب والبحوث التاريخية وقرض الشعر، فإن آثاره القلمية معدودة من محاسن النثر وعيون الشعر، وقد بين أن الغرب والنصرانية اقتبسا كثيراً من الحضارة الإسلامية. وأحيا ذكر شياطين الشعر العربي القديم والقصة العربية، ولم يسبقه في معالجة هذا الموضوع إلا المغفور له ثروت باشا أحد رؤساء الوزارة المصرية السابقين.
وما من أديب في مصر كلطفي السيد وطه حسين وأحمد ضيف ومنصور فهمي لم ينشر نبذاً باللغة الفرنسية على هامش مؤلفاته العربية النفيسة. ولو شئنا الإسهاب في هذا الموضوع لتمادى الكلام إلى مدى بعيد. وحسبنا أن نذكر أسماءهم. وأظن أن اسمي عدس وجوزيبوفتشي مستحقان أن يكونا في رأس جدول أسماء الذين نكرمهم، فإن كتابهما (جحا الساذج) قد بلغ بهما إلى أوج البلاغة، فقال عنه اوكتاف ميريو إنه لا يقل قيمة عن الكتب التي نسجت بردتها يراع ستندهال وفلوبير وتلستوي.
وقال إنه لم يدرك حقيقة الشرق إلا حينما قرأ كتاب (جحا الساذج)
وكتب أحمد ضيف بالاشتراك مع فرنسوا بون جان قصة (منصور) وغيرها فوصف الأول محاسن الريف المصري ومعيشة النوتية في النيل ومرفأ الإسكندرية، واشترك معه بون جان في وصف جامعة الأزهر.
وفي جملة الذين عالجوا محاسن مصر القديمة التركية أحمد راسم فإن نثره الشعري يحكي بسلاسته وابتكاره ما نراه في شعر فرنسيس جام، وفي كتابة أحمد راسم تكثر النكتة والتعابير الشعرية والأمثال العلمية. وقد عالج تحليل قصائد الشعراء المصريين باللغة الفرنسية، وسيتسنى لكم الإطلاع على تراجم هؤلاء الشعراء في الديوان الذي يعده في القاهرة المسيو روبرت بلوم الأديب الفرنسي الذي اختار مصر وطناً له.
ومن المؤلفين الذين لا يذهل راسم عن الإشادة بهم أمامكم شاعر أريد أن أسبقه إلى التنويه به وهو محمد ذو الفقار فإنه من أرقى شعراء مصر وأحسنهم ديباجة، ولكنه ينفر من الظهور والتبجح، وهو علاوة على تفوقه في الشعر يعد من المصورين البارعين. ويحب في غالب الأحيان أن يستر عواطفه الحقيقية بنكتة لطيفة أو بتهكم لاذع. وقد قال عنه أحد النقاد:
(أن الكلمات العادية في اللغة الفرنسية تتخذ إذا عالجها بقلمه طلاوة جديدة).