بطاقة أو صورة شمسية، كما نسمع بالألوف التي تتدفع من أجل هذا حول أبطال الألعاب الرياضية وأبطال السياحة والطيران وأشباههم من أصحاب الشهرة في كل ميدان يتصل بالجماهير. أما العلماء والأدباء فمن نبغ منهم وأشتهر فليس نصيبه من الإعجاب والجزاء بأقل من نصيب أمثاله قبل أجيال وأحقاب، ومن لم ينبغ ولم يشتهر فله قرناء يماثلونه بؤساً وغبناً وشظفاً في أقرب العصور وأبعد العصور.
لا، بل نحن لا نستثني أصحاب المكانة الدينية على إطلاق الاستثناء، فما يربحه الدعاة باسم الدين اليوم لا يقل عما كانوا يربحونه في الأيام الخالية؛ والثقة بأغاخان اليوم وهو يعيش في أوربا عيشة المترفين والمتطلقين لا تقل عن الثقة بإمام زاهد عاكف على العبادة كان يعيش في صومعته قبل عصر الكشف والاختراع.
ولم ننفرد نحن بإكبار البعيد في الزمان أو المكان وترجيحه على أنداده وقرنائه الذين نراهم رأى العين ونعرفهم بالمصاحبة واللقاء، فقديماً كانوا يقولون إن زامر الحي لا يحظى بإطراب، وقديماً كان الجاحظ يكتب الرسائل وينحلها الكتاب الأسبقين ليحظى بالإصغاء والتقريظ.
وأحسب أن إيثار الماضي على هذا النمط له علة شائعة بل علل شائعات لا تنحصر في وقت ولا يخلو منها قبيل.
فالماضي يشبه المثل الأعلى لأنه غائب عن الأنظار كالمثل الأعلى في هالاته وخيالاته، أما الحاضر فهو كالواقع المحسوس الذي نحب أبداً أن نتجاوزه ونطمح إلى ما وراءه.
ولقد كان المشركون ينكرون النبي عليه السلام ولا ينكرون منه إلا أنه (يأكل الطعام ويمشى في الأسواق). ترى هل كان الأنبياء فيما مضى لا يأكلون طعاماً ولا يمشون في سوق؟ كلا بل كانوا يأكلون ويمشون، ولكنهم بعدوا واحتجبوا فخيل إلى غير معاصريهم أنهم مختلفون.
ومن العلل التي تجنح ببعضهم إلى تهيب (السلف الصالح) أننا ننظر إليهم كما ننظر إلى الآباء والأجداد، كأنهم كبار ونحن صغار، لأنهم ولدوا قبلنا بمائة عام أو مئات من الأعوام، وينسى المتهيبون أن السابقين كانوا أطفالا في سن الطفولة وأننا سنصبح شيوخا مع السنين أو نربى في الشيخوخة على أولئك الآباء والأجداد