المشتملة على شغلكم ثلاثة أشهر مبهمة لم يفهم منها ما حصلتموه في هذه المدة، وما فهمنا منها شيئاً، وأنتم في مدينة مثل مدينة باريس التي هي منبع العلوم والفنون، فقياسا على قلة شغلكم هذه المدة عرفنا عدم غيرتكم وتحصيلكم، وهذا الأمر غمنا كثيرا، فيا أفندية ما هو مأمولنا منكم، فكان ينبغي لهذا الوقت أن كل واحد منكم يرسل لنا شيئاً من أثمار شغله وآثار مهارته، فإذا لم تغيروا هذه البطالة بشدة الشغل والاجتهاد والغيرة وجئتم إلى مصر بعد قراءة بعض الكتب فظننتم أنكم مثلهم في العلوم والفنون فأن ظنكم باطل، فعندنا ولله الحمد والمنة رفقاؤكم المتعلمون يشتغلون ويحصلون الشهرة فكيف تقابلونهم إذا جئتم بهذه الكيفية وتظهرون عليهم كمال العلوم والفنون، فينبغي للإنسان أن يتبصر في عاقبة أمره وعلى العاقل أن لا يفوت الفرصة وأن يجني ثمرة تعبه. . .
فأن أردتم أن تكسبوا إرضاءنا فكل واحد منكم لا يفوت دقيقة واحدة من غير تحصيل العلوم والفنون، الخ، الخ
ويحدثنا الشيخ رفاعة أن هذا الخطاب كان له في أنفس الطلاب تأثير شديد، وكان من نتائجه أن صاروا يكتبون إلى مصر في كل شهر بياناً بما قرءوه وما تعلموه
أيها السادة، سمعتم اسم المسيو جومار في هذه الخطبة غير مرة، وعرفتم فضله على تلك البعثة، فمن الخير أن نشير إلى أن محمد علي حفظه له ذلك الجميل، فأرسل إليه خطاب ثناء في ١٠ يناير سنة ١٨٣٤ وترون ذلك الخطاب في كتاب سمو الأمير عمر طوسون عن البعثات
أما بعد فقد كان المسيو جومار واثقاً كل الثقة وهو يلقي أول خطبة في توزيع الجوائز على أول مدرسة مصرية، وقد حققت الأيام ظنه فكان أولئك المبعوثون رسل علم وهداية وكانت معارفهم الأدبية والعلمية أساسا لما عرفت مصر من أصول التمدن الحديث
وأنا أيها السادة في أول خطبة لتوزيع الجوائز على طلبة القسم المصري أثق بتلاميذي أكثر مما كان يثق المسيو جومار بتلاميذه، وأعتقد أن القسم المصري بالليسيه سيخرج لكم نماذج جميلة من الشبان المثقفين الذين يعرفون واجبات الرجال
نحن نعرف تلاميذنا أيها السادة، وأؤكد لكم أننا وضعنا في صدورهم جذوة لن تخمد، وهديناهم إلى نمير من المعارف لن ينضب ولن يغيض