للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهو الشيخ علي الصعيدي وكان معاصراً لملكي مصر العظيمين علي بك الكبير ومحمد بك أبي الذهب. وبلغ من إكرام هذين الملكين له أنهما كانا إذا دخل عليهما أفسحا له وقبلا يده، ولم يردا له شفاعة، وكان كثير الشفاعة عندهما يتدخل لمصالح الناس. فكان من الدولة بمثابة النائب الشعبي الذي يسعى لمصالح الناس عند أهل الحكم. وكان الناس يلجأ ون إليه إذا ما مسهم ما يشكون منه، فيكتب شكواهم في ثبت ويدخل بها على الأمير فلا يخالفه في شيء مما يرجوه فيه، ولا ينقبض عنه، وكان يقول لمحمد بك أبي الذهب إذا وجد منه شيئاً من التردد: (لا تضجر ولا تأسف على شيء يفوتك بغير حق في الدنيا، فإن الدنيا فانية وكلنا نموت ويوم القيامة يسألني الله عن تأخرنا عن نصحك؛ وها نحن قد نصحناك وخرجنا من العهدة). فإذا امتنع الأمير عن إجابة مطلب له صرخ وقال له: (اتق النار وعذاب جهنم) ثم يمسك بيده ويقول له: (أنا خائف على هذه اليد من النار).

وسنذكر فيما يأتي أسماء بعض زعماء الشعب الذين انتهجوا فيما بعد خطة أخرى غير النقد والنصح عندما تحولت مجاري الأمور في أيام مراد وإبراهيم. وحسبنا هنا أن نقول إن أمراء مصر في أثناء القرن الثامن عشر كانوا يحاولون بكل ما استطاعوا أن يكون حكمهم مرضياً عنه عند الشعب، وأن يكونوا في سياستهم موفقين إلى العدل فيهم بحسب عقلية عصرهم وأساليبه وكانوا يعملون على تقريب أهل العلم والأعيان والأدباء، ويشجعونهم على غشيان مجالسهم، فكانت مجالس علي بك الكبير تمتاز بوقار من يؤمها من العلماء الإجلاء، والزهاد الفضلاء. وكذلك كانت مجالس أبي الذهب من بعده، في حين كانت مجالس الأمير رضوان بعد ذلك مضرب الأمثال في البهجة الفنية والسمو الأدبي، حافل بأسماء تباهي بها مصر من الأدباء المبرزين الأعلام، وكان هذا التقريب عاملاً من أقوى العوامل على أيجاد روح من الود طالما ساعد على تبادل العطف بين الحاكم والمحكوم، وهو عطف كان يؤدي بغير شك إلى إصلاح الحكم والمحافظة على حقوق الناس وعواطفهم.

ولما تولى الطاغيتان إبراهيم ومراد؛ تغير الحال واختل الأمر ورأى الشعب أن لا بد له من انتهاج خطة جديدة للمحافظة على حرياته وحقوقه؛ فخطا خطوة جديدة لم يسبق له عهد بها، فإن الطاغيتين كانت تحيط بهما هالة من أهل الطاغوت، وهي عصبة للشر ما كانت تتنبه

<<  <  ج:
ص:  >  >>