للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الإنجليزي، وتثبيت مفردات اللغة وإدخال مفردات جديدة، واشتقاق غيرها، واختراع طرق للاشتقاق أدت إلى توسيع جوانب اللغة، وكان دائماً قدوة للأدباء يحتذونها في إسلاس الأسلوب، وله أثر مباشر جلي في كتابين هما من ذخائر الأدب الإنجليزي، أحدهما (رجلة الحاج) لبنيان والثاني (الفردوس المفقود) لملتون، ففي كليهما يقوم أساس القصة على ما ورد في الإنجيل من أنباء الخلق والبعث والحساب، بل أن دراسة الإنجيل كانت هي الثقافة الوحيدة التي نالها بنيان، الذي كان قساً ضئيل الحظ من العلم، ومع ذلك يعد أسلوبه المبني على أسلوب الإنجيل في الذروة في أدب اللغة.

تلك أمثلة من وجوه التشابه في الأدبين، وظاهر أنه تشابه عام عارض محدود، أما وجوه التناقض فعديدة تشمل نواحي الأدب وتضرب جذورها في صميمه: فالأدب العربي ازدهر في كل دولة إسلامية فهو أشد تأثراً واصطباغاً بالنزعة الدينية من الأدب الإنجليزي، ومع ذلك قد جرى العرب إلى غايات من الترف واجتناء اللذات لم يبلغ بعضها الإنجليز، وبدأ أثر ذلك الترف المغرق بجانب ذلك الروح الديني في أدبهم؛ وقضت التقاليد التي نمت في المجتمع الإسلامي بإسدال الحجاب على المرأة، فتقلص ظلها من المجتمع وضؤل أثرها في الأدب، وازداد ضآلة بمرور الأيام بدل أن يزداد جسامة بتوطد الحضارة وذيوع التعليم واتساع جوانب الأدب، فكانت المرأة الإنجليزية أبين أثراً في أدبها - كاتبة ومكتوبا عنها - من المرأة العربية.

وعرف الإنجليز فنونا لم يحفل بها العرب كثيرا كالتصوير والنحت، وأغرموا بما اطلعوا عليه من آثار تلك الفنون من مخلفات الأمم القديمة، وامتلأ أدبهم بوصف كل ذلك وتقديره والأدب العربي يكاد يكون خلوا من ذلك؛ وانكب أدباء الإنجليزية على دراسة الآداب الأوربية المعاصرة وأفادوا منها كثيراً، وتوفروا خاصة على دراسة الأدب الإغريقي القديم، فكان لهذا الأدب أبعد الآثار وأشملها في الأدب الإنجليزي: رحب آفاقه وبسط أساليبه وأشكاله، ومد أمامه منادح القول ووجه نظره إلى جمال الحياة الذي تصويره غرض الأدب والفن جميعاً واكتسب الأدب الإنجليزي صبغة إغريقية ظل الأدب العربي بعيداً عنها، فأن هذا الأخير لشديد اعتداده بنفسه لم يحاول أن يطلع على آداب غيره، أو يستفيد من تراث اليونان الأدبي الحافل فكان ذلك الإقبال على الأدب الإغريقي من جانب الإنجليز، وذلك

<<  <  ج:
ص:  >  >>