حيث وضع لي غلام المكتبة الكتب التي طلبتها. وجلست أحمل نفسي على الاعتقاد بأنني لو لم أفه بشيء ولو أنني أتوارى عن الأنظار أو أن أخبئ رأسي بين يدي كرجل أثقلته جسامة المسؤولية إذن لكفيت هذا الغضب وهذا الصخب ولكن الأمر لم يكن ليتوقف عند هذا الحد، وفوقت البصر قليلاً أسترق تتمة المشهد فإذا بي أبصر هذا الإنسان الأبيض الصغير الذي كان واقفاً إلى جانب القيم يكثر من الحركات بيديه قد أصبح بين يدي وكان تارة يشير بسبابته إلى الكتاب الملوث وطوراً إلي متجها نصف اتجاه، وحزرت من دون ما تعب أو مشقة أنه يقصدني بالكلمات الخشنة التي كان يذروها، وقد بدا لي بنظرة خاطفة أن قيم المكتبة أشفق علي من كلمات هذا الشيخ الذرب، فاحمر وجهي خجلاً وأحسست بالخجل يسير في كل جسمي
وهاهم أولاء يتصفحون دفتر وأظنه البيان الذي يشير إلى قيمة الكتاب وثمنه ومكان الابتياع وانهم ليتآمرون على إفراغ المكان مني وتحديد الجزاء والغرامة!. . أواه!. . يا خال تأهب لتحملها!
إلى هنا استرسلت في أفكاري المحزنة وما رجعت إلى نفسي إلا وشعرت بأن يداً تربت على كتفي دون أن أحس بدنو صاحبها، وقال:
- إن المحافظ يطلبك إليه
فنهضت أتأثر الغلام وما أن حاذيت القارئ الرهيب الذي كان قد استقر به مكانه حتى لممت بعضي في الوصول إلى سدة القيم الذي بدرني:
- أو أنت الذي لوثت هذا الكتاب؟. .
- نعم يا سيدي
-. . . إنك لم تتعمد فعلتك هذه؟
- طبعاً لا، وأنا آسف لوقوع الحادث يا سيدي
- أنت على حق في ندمك وعلى صواب، لأن هذا الكتاب من أندر الكتب الأثرية الموجودة، والبقعة أيضاً من اغرب البقع ولا أعتقد أني رأيت بقعة على هذا الشكل.
وأحسست بأني سأقول له إن الإنسان يلوث كما يشاء، لولا أنني أمسكت نفسي، فقال لي: