للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقال أحد الشبان: (لم يكن في أيامكم سينما ولا غيرها من الملاهي التي تضيع الوقت)

فقلت: (إن اللهو ميسور في كل وقت. وطالبه لا يعدمه في أي مكان أو زمان. والمهم هو إرادة اللهو لا اللهو في ذاته. وأنا أراكم تريدون الحياة كلها لهو لا جد فيها ولا عمل؛ وهذا هو الفرق بيننا وبينكم، فقد كنا ندرك أن اللهو ساعات لا ينبغي أن نعدوها، أما أنتم فلا يكاد الواحد منكم يدرك أن للعمل وقتا أو أن العمل واجب. . تريدون اللقمة ممضوغة بل مهضومة قبل أن تضعوها في أفواهكم، بل أنتم لا تريدون أن تكلفوا أنفسكم عناء بلعها وازدرادها. . من منكم يعنى بأن يفتح كتابا غير كتب المدرسة؟ لقد كنا نذهب إلى المكاتب ونبحث فيها عما نريد من الكتب. . وانتم تنشر لكم الصحف إعلانات مشوقة مرغبة مغرية عن الكتب فلا يخطر لأحدكم أن يشترى منها كتابا. . حتى كتب المدرسة لا تقرؤونها. . وشكواكم أبداً من الامتحان وصعوبته. . وسعيكم دائما إلى التسهيل والتخفيف والرأفة. . وما أحسبكم تطلبون إلا أن تعطوا الشهادات بلا امتحان. . والوظائف بلا استحقاق. . وقد سمعت بعضهم يقول أن الجرائد والمجلات تشغل الطلبة في هذه الأيام عن الدرس والتحصيل، وأعتقد أن هذا كلام فارغ فقد كانت في أيامنا جرائد ومجلات كنا نقرأها جميعا. . اللواء والمؤيد والجريدة والمقطم والدستور والهلال والمقتطف، بل كنا نذهب إلى دار الكتب لنقرأ فيها المجلات القديمة مثل الضياء والبيان لصاحبهما المرحوم اليازجي. . . وكذاب من يقول إنكم تقرءون الصحف، فما تقرءون فيها حين ترونها إلا أخبار الامتحان والإضراب والمظاهرات الساعية إلى الوزارات تستجدي النجاح. . . وما تقرءون إذ تقرءون إلا المجلات الهزلية لأن حياتكم هزل بحت)

فقال أحدهم: أن الحركة الوطنية هي المسئولة عن انصراف الطلبة عن التحصيل. فلم يقنعني قوله هذا وبينت له أن الحركة الوطنية كانت أيضا في أيامنا. . . بل كانت في ذلك الوقت أحمى، وكان مصطفى كامل يقيم البلاد ويقعدها بخطبه ومقالاته اليومية. ولكن قراءة أو سماع الخطبة لا يستغرق اليوم كله ولا يستنفد الجهد أجمعه. . . وقد كانت هناك في أيامنا جمعيات أدبية شتى وكنا نعنى بأن نشهدها كلها. ولو أن جمعية أدبية قامت في زماننا هذا لما حضرها إلا مؤسسوها. . . وحتى هؤلاء في مواظبتهم على الحضور شك كبير. . وفي كل أمة صحف ومجلات وأمور تشغل أبناءها، وما أظن أن أحدا سيدعي أن مشاغلنا

<<  <  ج:
ص:  >  >>