وأول من اخترع الموشحات في شبه جزيرة الأندلس مقدم بن معافر الفريري؛ والفريري نسبة إلى فريرة وهو حصن بالأندلس من أعمال كورة البيرة؛ وقد يكون جده منسوبا إلى فرير وهي قرية بين جيجون وبخارى في بلاد العجم، أو بلدة بخراسان كما ذكر السمعاني في أنسابه وياقوت الرومي في معجم البلدان. وهو من شعراء الأمير عبد الله بن محمد المرواني (٢٧٣هـ، ٨٨٦م) وأخذ عنه أبو عبد الله محمد بن عبد ربه مؤلف العقد الفريد. وجاء بعدهما كثير من الشعراء فتفننوا في الموشحات حتى فاقوا من سبقهم فاشتهرت موشحاتهم، وأشهرهم عبادة القزاز وغيرهم. وانتقل بعد ذلك الموشح من الأندلس إلى المغرب، ومن هذه إلى مصر، ومنها اتصلت بسورية فالعراق. وذلك في العصر العباسي الرابع وفي أثناء القرن السادس للهجرة. . .
قال الزبيدي في معجم تاج العروس: التوشيح اسم لنوع من الشعر استحدثه الأندلسيون، وهو فن عجيب له أسماط وغصون وأعاريض مختلفة، واكثر ما ينتهي عندهم إلى سبعة أبيات. وقال أيضا: الوشاح بالضم والكسر رسان من لؤلؤ وجوهر منظومان يخالف بينهما، تتوشح المرأة به، ومنه اشتق توشح الرجل بثوبه، وقال غيره أخذ التوشح من الظبية الموشحة وهي التي في جنبها طرتان
قال القيراطي موجها بالزجل والموشح ذهابا إلى الشعر:
أرتاح للأقمار وهي طوالع ... وشموس راحي للمغارب تجنح
ويهزني زجل الطيور بلحنها ... والروض بالزهر النظيم موشح
وباختراع فن الموشح كان له الثر العظيم في الشعر الأوربي، فحاكى شعراءهم هذه الأوزان والأشكال كما نرى في منظوماتهم، ولاسيما قصائد فكتور هوجو شاعر فرنسا في ديوانه المسمى بالشرقيات، وكذلك قصائد غوته الشاعر الألماني وغيرهما من شعراء بقية الأمم الأوربية التي وقفت على أشعار عرب الأندلس وموشحاتهم الخالدة، فكانت القافية عندهم لا تلتزم في أكثر من بيتين كالأراجيز عندنا، أو أنها تلتزم في أبيات وتتغير وتعود إلى اللازمة كما في الموشحات؛ ومنها نوع من الشعر يسمونه الأبيض وهو ما كان غير مقفى كشعر شكسبير شاعر الإنكليز وغيره. . .