ورنت الموسيقى الإلهية في جنبات المعبد، وارتفعت الأصوات الملائكية تنشد نشيداً عذباً يرقق القلب، ويبعث فيه الروعة والجلال وخيل إليه أن الرسوم والأحجار والسقف والحوائط. . . جميعاً تردد هذا النشيد في رنات سماوية وأحس بالناي الإلهي تحت ركبتيه تنبعث منها أهازيج يطرب لها الفؤاد وتهتز النفس.
واستولت على الراهب الحيرة فما استطاع أن يبرح مكانه. . . ثم أرهف سمعه فإذا الصوت ينبعث من ناحية المحراب أولا ثم يمسك، فيندفع كل ما حوله يرتلون الأنشودة في صوت فيه السحر والجمال، وترتفع رنات الموسيقى لتزيد النشيد طلاوة وحلاوة، وبدا له المكان يهتز طرباً كأنه يرقص مع النغم الشجي المنبعث من هنا ومن هناك.
وتراءت له صور الملائك تضطرب في هذا الضوء الإلهي الساطع، وفي أيديهم المعازف، وخيل إليه أن هذه الأشباح رسوم صورها له خياله فحسب، فانتفض من مكانه يحدق ذات اليمين وذات الشمال، ويتحسس بيديه نواحي المكان، وحين بدا له أن ما يرى حقاً لا مرية فيه، اضطرب، وزالت عنه شجاعته، وجمد في مكانه وقد سيطر عليه الفزع والخوف، غير أن صوتاً لذيذاً رن في مسمعيه يطمئن نفسه:
نحن الملائك نبتهل إليك يا رب
نحن الملائك نبتهل إليك يا رب
وأجال بصره فرأى على جانبي المحراب ملكين يترنمان: على مر الأيام والليالي ونحن نسبح بحمدك يا رب ونقدس اسمك العظيم يا رب، ما دام هذا الكون اللانهائي. ومن بين شفتيهما يتصاعد النفس فينعقد سحباً كثيفة بيضاء في أعلى المكان، فاستشعر في نفسه الخور والضعف غير أن حب الاستطلاع دفعه إلى المحراب ليرى. . .
واستطاع أن يرى رسوم الملائك والملوك على أستار المعبد تردد هي أيضاً هذه الأغنية.
والصور على زجاج النوافذ ترتل هي أيضاً الأغنية ورؤوس الملائكة المنحوتة في رخام المعبد ترتل الأغنية والأسد والدواب المرسومة هنا وهاهنا ترتل هي الأخرى الأغنية.
وتماثيل القديسين المنثورة في نواحي المكان ترتل هي أيضاً الأغنية.
والرسوم على الجدران ترتل أيضاً الأغنية.
وبدا له أن كلمات هذه الأغنية قد رسمت بحروف من ذهب يتوهج فيخطف البصر. على