ومصنوعاته التي خلقها فهي أقوى الأدلة على وجوده، هنالك هذا العالم البديع الذي خلقه وهناك هذا العدد العظيم الذي أرسى سفنه بحكمته وقدرته على شاطئ النجاة بعد أن أنقذها من خضم الألم. وإذا كان من يرى مدينة منسقة بديعة التكوين والتنظيم لا يستطيع إلا أن يعلن إعجابه بمنشئها وأن يرفع الصوت قائلا: ما أحكم هذا المهندس الماهر الذي شيد هذه المدينة وأتقن تنظيمها! فالأمر يجب أن يكون بالنسبة إلى مدينة الكون العام التي أنشأها بوذا واحكم تنسيقها.
وفي الحق أن نظرة واحدة إلى ما عليه الكون من نظام وانسجام تكفي لترسيخ الإيمان اليقيني بوجود بوذا،. فلم يكد الملك يسمع من الحكيم هذا البرهان حتى أعلن أنه مقتنع بوجود بوذا اقتناعه بوجود جده الأعلى مؤسس أسرته المالكة الذي لم يره كذلك، وصرح بأن المشاهدة ليست كل شيء، وأعلن أن كثيراً مما لا تعترف به المشاهدة له وجود واقعي يقيني
ويعلق الأستاذ (أولترامار) في كتابه (تاريخ وحدة الوجود الهندية على هذا بقوله: (أما النقد الحديث، فلا يجد في هذا البرهان ما وجده ذلك الملك الطيب القلب من الرضى والاطمئنان فهو إذ يوافق على أن مؤسس البوذية وجد تاريخياً لا يستطيع أن يؤمن بأن هذا المؤسس كان في الواقع على النحو الذي صورته عليه الأسطورة الهندية، وفوق ذلك فتاريخ الديانات يعترف في صراحة أمام النقد الحديث بأن براهين هذا الحكيم كانت مبنية على أسس ضعيفة واهية لا تستطيع الثبات في ميدان الجدل المنطقي وأن قيمة هذه البراهين تزيد ضآلة بقدر ما يكشف التاريخ أن أهم مصادرها هو الأساطير الشعبية المفعمة بالخرافات والأباطيل)
ويؤكد الأستاذ (أولترامار) أن استخلاص العناصر الصحيحة من وسط ذلك المحيط الهائل المليء بالأساطير الخيالية في ترجمة بوذا وصفاته وتعاليمه من الصعوبة بموضع، وهو لهذا يحيل القارئ إلى مؤلفات ثلاثة رجال من كبار العلماء الذين وصلوا إلى نتائج بحوث قيمة في هذا الموضوع، ليستأنس بآرائهم وهم:(كيرن) و (سينار) و (أولدنبيرج). فأما أول هؤلاء العلماء وهو الأستاذ (كيرن) فهو ينكر إنكاراً تاماً القيمة التاريخية لهذه الأساطير ويصرح بأنه لا أثر للحقيقة في كل ما نقل لنا عن (بوذا) وبأن هذه السيرة البوذية لم تكن