وأما الأستاذ (سينار) فهو لا يرى في السيرة البوذية اكثر من أنها أسطورة قديمة رصعت بأبهى ما وعاه الشعب من أخلاق عدة أبطال طواهم الزمن فنسيت أسماؤهم وعلقت بالأذهان آثار بطولتهم
وأما الأستاذ (أولدنبيرج) فهو أقل قسوة على بوذا من زميليه، إذ يعترف بأن طائفة من الحقائق الحائرة منبثة في وسط هذا البحر من الأساطير وأنه ليتيسر للباحث الدقيق أن يستخلص من بين الفرث والدم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين. أما بوذا على حالته التي هو عليها الآن في الأسطورة قبل تمييز الخيال من الحقيقة فهو لا يبعد عن كونه شخصية رمزية
ويميل الأستاذ (أولترامار) إلى هذا الرأي الأخير. إذ يعتقد أن الباحث العميق يمكنه أن يصل - عن طريق الموازنة الدقيقة بين كل المصادر - إلى حقائق يقينية عن شخصية بوذا وديانته وتعاليمه وأنه هو شخصياً قد وصل إلى كثير من هذه الحقائق، وأن إحدى هذه الحقائق التي وصل إليها هي أن بوذا قد وجد حقاً، وأنه كان شخصية غير عادية لها من الميزات ما لم يفرز بها سواها في العصر الذي كانت تعيش فيه، وأن هذا الرجل - بصرف النظر عما أحكمت حوله الأساطير من سياج التألية - كان قوي الإرادة إلى حد بعيد، ولكن هذه القوة وجهت كلها إلى النضال الداخلي، فبينا كان ظاهره يدل على الوداعة ولين الجانب وخفض الجناح كانت نفسه تحوي في داخلها عراكا قويا ضد الشهوات والرغبات ولم يسمح لهذا النضال أن يتجاوز نفسه إلى الخارج إلا في ناحية واحدة وهي ناحية إقناع سائليه ومناقشيه ولكن هذا الإقناع كان دائما ممزوجا بروح السلام العام الذي يتخلل كل نواحي مذهبه
وعنده أنه كما أن الأرض تحمل ما يلقى فوق ظهرها من خبائث الأشياء دون ضجر وتتقبلها قبولها للطيبات، كذلك يجب على البوذي أن يحتمل باسما احتقار الناس وإهاناتهم وأن يتقبلها بنفس الروح التي يتقبل بها الإجلال والتشريف. وكما أن الماء يتخلص عن التراب، ليروي الظمآن، كذلك يجب على البوذي أن يشعر أعداءه بنفس الخيرية التي يشعر بها أصدقاءه