العراق وتفرق كلمته وأدبار امره، ولا ريب أن مثل ذلك الحديث يشجع قومه ويغريهم بالثبات، حتى يتم الانتصار؛ قام عمرو بن العاص يحرض أهل الشام، على القتال فقال:(إن أهل العراق قد فرقوا جمعهم وأوهنوا شوكتهم، وفلوا حدهم، ثم أن أهل البصرة مخالفون لعلي، قد وترهم وقتلهم وقد تفانت صناديدهم وصناديد أهل الكوفة يوم الجمل، وإنما سار في شرذمة قليلة منهم من قد قتل خليفتكم؛ فالله الله في حقكم أن تضيعوه، وفي دمكم أن تطلّوه)
أما العلويوين فإنهم لم يستغلوا هذه الناحية أيما استغلال، مما يدل على أن جيش معاوية لم يدع لهم هذه الفرصة، بل كان جيشاً متحداً متماسكا، ولكنهم استغلوا ناحية أخرى؛ هي أن معاوية ليس معه من له قدم سابقة في الإسلام، أما هم فمعهم جلة الصحابة والأنصار والبدريين؛ قال الاشتر النخعي يحث العلويين على الحرب:(. . . إنما تقاتلون معاوية وأنتم مع البدريين قريب من مائة بدري، سوى من حولكم من أصحاب محمد، اكثر ما معكم رايات قد كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فمن يشك في قتال هؤلاء إلا ميت القلب!. . .) وهذا هو الحق فلقد كان اكثر الصحابة منضمين تحت راية علي، ولكن ذلك لم يستطع الوقوف أمام دهاء معاوية وعمرو بن العاص؛ فقد استطاعا بفضل ما أوتياه من الحصافة والمكر أن يظهرا بقلتهما على كثرة علي ومن تبعه من صحابة وأنصار
- ٤ -
لم يكن التحريض على القتال هو كل أغراض الخطباء في ذلك العهد؛ بل كان من أغراضهم أيضاً الصلح بين المتقاتلين؛ فلقد سعت الرسل بين الفريقين تريد حقن الدماء، وكانت الخطابة عماد أحاديثهم، وإن لم يوفق الخطباء إلى أداء مهمتهم؛ فلقد كانوا مهددين أكثر منهم سياسيين دهاة، يستلون السخائم من الصدور واستمع إلى حبيب بن مسلمة رسول معاوية إلى علي يقول:(. . . أما بعد فإن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان خليفة مهديا يعمل بكتاب الله عز وجل، وينيب إلى أمر الله؛ فاستثقلتم حياته واستبطأتم وفاته، فعدوتم عليه، وقتلتموه رضي الله عنه، فادفع إلينا قتلة عثمان؛ إن زعمت أنك لم تقتله، نقتلهم به ثم اعتزل أمر الناس فيكون شورى بينهم، يولي الناس أمرهم من اجمع عليهم رأيهم) ولذا قال له علي: (وما أنت (لا أم لك) والعذل؟!). ويقول عدي ابن حاتم رسول علي إلى معاوية: