للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

(أما بعد فأنا أتيناك ندعوك إلى أمر يجمع الله عز وجل به كلمتنا وأمتنا ويحقن به الدماء، ويؤمن به السبل، ويصلح به ذات البين إن ابن عمك سيد المسلمين، أفضلها سابقة، وأحسنها في الإسلام أثرا، وقد استجمع له الناس، وقد أرشدهم الله عز وجل بالذي رأوا؛ فلم يبق أحد غيرك وغير من معك، فانته يا معاوية؛ لا يصيبك الله وأصحابك بيوم مثل يوم الجمل). فلما انتهى قال معاوية: كأنك جئت متهدداً، لم تأت مصلحاً.

والحق أن الخطابة التي كان يقوم بها سفراء الزعيمين لم تكن لتدل إلا على أنهما يرغبان في أن يستخلصا حقهما بالسيف؛ أما السفارة فلكيلا يكون ثمة مدعاة للوم أحدهما إذا اضطر إلى امتشاق الحسام

وكان من أغراضهما أيضاً نصح الصحب، وإرشاد المقاتلين إلى ما يجب أن يفعلوه في الحرب كما يفعل القائد قبل الهجوم، يوصي جنده ويمنحهم نصائحه: قال علي يرشد مقاتلته: (معاشر المسلمين، استشعروا الخشية وتجلببوا السكينة، وعضوا على النواجد فإنه أنبى للسيوف عن الهام، واكملوا اللأمة، وقلقلوا السيوف في أغمادها قبل سلّها، والحظوا الخزر، واطعنوا الشرر ونافحوا بالظّبأ، وصلوا السيوف بالخطا، واعلموا أنكم بعين الله ومع ابن عم رسول الله. . .)

ومن أغراض الخطباء لذلك العهد الدفاع عن الرأي، ومقارعة الحجة بالحجة، وتفنيد براهين الخصم، واظهر مثال لذلك الخطب التي قالها علي والخوارج؛ فهي خطب مليئة كلها بالحجج والبراهين من جانب الخوارج ومن جانب الإمام

- ٥ -

كانت أساليب الخطابة لذلك العهد رصينة في جملتها، سهلة الألفاظ إلا في القليل، لها مميزات الخطابة القوية، تعتمد على الألفاظ الضخمة، وعلى الجمل القصيرة يقل فيها السجع إلا إذا جاء عرضاً غير مقصود، فالخطبة ترسل إرسالا، لا تكلف فيه ولا تنميق، ومع ذلك تكون قوية الأسر، متينة السبك، ولا غرو فلقد كان القائلون مقاويل العرب وأبلغهم وكان المقام يتطلب لساناً بليغا يحرضهم ويدعوهم

ولقد كثر الاقتباس من القرآن، وكان علي وصحبه أكثر غراما بالاقتباس يدخلون الآية والآيات في معرض خطبهم

<<  <  ج:
ص:  >  >>