وقد ذكر المؤلف، وحق له أن يذكر، أن هناك بعض قبائل تَمُتُّ بصلة إلى الإفرنج الصليبيين.
ونحن نعتقد أن البحث الدقيق في اللهجات المختلفة يساعد الباحث على كشف الغطاء عن هذه المشكلة الجنسية العويصة التي تبلبلت فيها الأجناس البشرية، وقد نرى في بعض الألفاظ المستعملة هناك بقية باقية من الاستعمال العبري القديم مثل كلمة نقابة عند البدو في هذه الأنحاء فهي تدل على المعابر والمسالك المنيعة في الجبال لأنها وردت في مخطوط عبري يرجع إلى القرن السابع. ق. م
وقد أحسن المؤلف بذكره نماذج من شعر أعراب القبائل ولكن فاته أن يأتي بمثل ذلك من رطانتهم العربية، ولو أنه فعل لقدم خدمة جليلة للبحث العلمي اللغوي حيث كان يمكن أن نقف على لهجاتهم وأن ندرسها دراسة علمية ونقارن بينها وبين اللهجات العربية الأخرى ونتبين ما فيها من الألفاظ الغريبة التي جاءتها بلا شك من اللغات السامية الأخرى.
ولا نستطيع أن نكف أنفسنا عن التساؤل: لماذا صقل المؤلف الأحاديث التي سمعها من الأعراب صقلا عربياً صحيحاً وفصيحاً؟ ولماذا لم يتركها في لغتها البدوية الطبيعية والفطرية؟. . .
لذلك نلح على المؤلف ونشتد في الإلحاح أن لا ينسى حين يقبل على طبع كتابه الطبعة الثانية أن يضيف إليه جملة أحاديث وأقاصيص لكثير من رجالات الأعراب من نواح مختلفة بلهجاتهم الطبيعية ورطانتهم الفطرية دون أن يتعرض لها بشيء من الزيادة أو الحذف.
ثم يأتي بعد ذلك الباب الخامس الذي يشتمل على تاريخ بئر السبع على ممر الأحقاب من أقدم الأزمنة التاريخية إلى يومنا الحالي
وثمة أمر آخر له خطره، وهو أن المؤلف الذي يتقن العربية والعبرية لم يقع في ذلك الخطأ الفاحش الذي وقع فيه غيره من المؤلفين الشرقيين الذين يجهلون اللغات السامية، وهو أنهم لا يضبطون كتابة أسماء الأماكن وأسماء الأعلام كتابة صحيحة كما ينطق بها أهل الشرق بل يكتبونها كما هي مدونة عند الغربيين الذين لا يستطيعون نطق الأسماء الشرقية نطقاً صحيحاً دقيقاً