للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

رؤوسهم أيام التولية طرحة سوداء مرقومة بالبياض، أو عمامة سوداء مرقومة بالبياض، تنويهاً بشعار الخلافة العباسية القديمة وهو السواد، وقد كانت هذه الدول تنضوي من الوجهة الروحية تحت لواء الخلافة العباسية الذاهبة، على أنه لم يكن سوى انضواء شكلي فقط

ثم إن الحفلات القومية التقليدية كانت في هذه المناسبات العظيمة تحتوي دائماً على العنصر العسكري، وعلى بعض المظاهر الدينية؛ فكانت مواكب الخلفاء في الدولة الفاطمية تمتاز بروعة عسكرية، وكان يحف بالخليفة الجديد وينتظم في ركبه صفوة القادة والضباط والجند في أثواب وأزياء باهرة، ويشق هذا الركب الخلافي العسكري الفخم مدينة القاهرة فيعرض على أنظار الشعب المعجب طرفاً من قوة الدولة والجيش؛ وكانت مواكب السلاطين فيما بعد تمتاز أيام التولية أيضاً بهذا الطابع العسكري الفخم؛ ومازال الطابع العسكري في عصرنا أعظم مظهر للمواكب المشهودة في أرقى الدول وأعظمها

أما المظاهر الدينية فقد كانت تتخذ مكانتها دائماً في المواكب الخلافية والسلطانية، وكانت في ظل الدولة الفاطمية أشد ظهوراً وتمكناً منها في أية دولة مصرية أخرى؛ ذلك لأن الدولة الفاطمية كانت خلافة مذهبية وكانت الإمامة الدينية شعارها، وكان الخليفة يجمع بين يديه جميع السلطات الدينية والزمنية؛ وكانت مواكب السلاطين تحتوي أيضاً مثل هذا الطابع الديني؛ بيد أنه يجب أن نفرق بين هذه المظاهر التي كانت تتفق من الوجهة الشكلية مع روح العصر، وبين مسألة أخرى هي مدى مثول العنصر الديني في تولية الخلفاء والسلاطين المصريين. وقد أثيرت هذه المسألة أخيراً لمناسبة تتويج جلالة الملك فاروق، ورأى بعضهم أن تجري إلى جانب الحفلة الدستورية حفلة دينية في أحد مساجد القاهرة يتلو فيها شيخ الأزهر على جلالته صيغاً معينة يجيب عنها جلالته بما يناسبها، فيكون هذا بمثابة تتويج ديني لجلالته إلى جانب التتويج المدني؛ وكانت حجة هؤلاء أن مصر دولة إسلامية دينها الرسمي الإسلام؛ وقد اعترض على هذا الإجراء بحق بأنه ينافي الأوضاع الدستورية ويخلق في الدولة سلطة روحية لا وجود لها؛ على أننا نريد هنا أن هذا الإجراء لم تعرفه القصور المصرية فيما عرفت من رسومها وتقاليدها، ولم يحدث قط في تاريخ مصر الإسلامية، أن تلقى خليفة أو سلطان عهداً أو تفويضاً من زعيم ديني سواء أكان

<<  <  ج:
ص:  >  >>