للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

قاضي القضاة أم شيخ الأزهر، ولم يتلق السلاطين مثل هذا التفويض إلا من الخليفة العباسي، الذي أقاموه هم بمصر بعد سقوط الخلافة العباسية في بغداد ليتخذوا من لوائها أداة من أدوات السياسة. بيد أنه كان إجراء شكلياً فقط؛ كذلك لم يحدث قط في تاريخ مصر الإسلامية أن توج خليفة وسلطان في مسجد من المساجد، بل كان التتويج يجري دائماً في مقر الملك، في القصر الفاطمي أيام الدولة الفاطمية، وفي دار الوزارة الكبرى ثم في قصر القلعة أيام الدولة الأيوبية والدول التي تلتها؛ أما العناصر والمظاهر الدينية في حفلات تولية الخلفاء والسلاطين فكانت تلخص فيما يلي: مثول قاضي القضاة وأكابر العلماء إلى جانب أقطاب الهيئات العسكرية والمدنية الأخرى، في حفل التولية، وفي الموكب الملكي؛ وأداء الخليفة لصلاة العيد أو الجمعة في الجامع الأزهر أو جامع عمرو أو جامع الحاكم أو غيرها من المساجد الجامعة؛ ولم يظهر نفوذ رجال الدين في مسائل العرش والتولية إلا في أواخر دولة الملوك الشراكسة حيث كان للعلماء والقضاة الأربعة نفوذ يذكر في تولية بعض السلاطين وعزلهم وتقرير رشدهم؛ بيد أن هذا النفوذ كان عارضاً يرجع إلى أحوال الدولة المصرية والمجتمع المصري يومئذ؛ ولم يكن من العوامل الأساسية في مسائل العرش والتولية.

والواقع أن إجراء رسوم التتويج بالمسجد هو أقرب إلى الشعائر الوثنية والنصرانية، والكنسية تؤدي مثل هذا الدور الذي يراد أن يؤديه المسجد - في الأمم النصرانية؛ وقد شهدنا هذا المنظر في تتويج جلالة ملك إنكلترا حيث جرى تتويجه في الكنيسة وتلا عليه مطران كنتربري صيغاً معينة أجاب عليها؛ ومع أن الدول الأوربية قد تحررت منذ بعيد من سلطان الكنيسة فإن هذه الإجراءات ما تزال تمثل في الاحتفالات القومية الكبرى كالتتويج وغيره، فنرى الإمبراطور نابليون بونابرت مثلا يجوز رسوم التتويج في كنيسة الأنفاليد في فاتحة القرن التاسع عشر، كما توج سلفه الإمبراطور شارلمان قبل ذلك بألف عام في إحدى كنائس رومة وتولى البابا ليون الثالث وضع التاج على رأسه؛ على أن هذه المظاهر النصرانية والمناظر الوثنية التي ترجع إلى روح العصور الوسطى أيام كان سلطان الكنيسة الروحي يغشى كل سلطة زمنية وتستظل بلوائه الملوكية لتدعم سلطانها الزمني، لم تعرفها الملوكية الإسلامية ولم تأخذ بها ولم يلعب المسجد في هذا الميدان مثل

<<  <  ج:
ص:  >  >>