اليهود عن فلسطين، وليس في مقدورهم المحافظة عليها عربية، وأن سيأتي يوم يصبح فيه القسم المعطي لهم الآن يهودياً إن لم يكن فلسطين كلها، ولكن ذلك لا يتحقق غدا، ولا بد له على الأقل من خمسين سنة. وسيظل اليهود خلال هذه السنين في نضال عنيف، وسيبذلون خلالها جهوداً عظيمة وأموالا طائلة، حتى يصلوا إلى النتيجة التي يوصلهم إليها الآن مشروع التقسيم. فهل من الصواب إذن أن تنيلهم اليوم ما لعلهم ينالونه بعد مشقة وبعد جهاد يدوم نصف قرن؟ أو ليس من الحكمة السياسية، إن لم يكن من الواجب الوطني، أن نصبر ونناضل بالطرق المشروعة، ونتخذ الوقت عوناً لعله يأتي لنا بما يفرج؟ وما يدرينا أن تتغير الظروف الدولية فتكون لنا عوناً على المحافظة على عروبة فلسطين وعلى نيلنا حقوقنا فيها؟ أما إن تأسست اليوم مملكة يهودية في قسم من فلسطين فيكون الأمر قد انتهى، ولا نعود بقادرين، مهما أتت الظروف على إرجاع ما ذهب منا، وما تقسيم فلسطين، وتأسيس مملكة يهودية في قسمها الطيب إلا وسيلة يراد بها تسهيل استيلاء اليهود على جميع فلسطين وشرق الأردن دفعة واحدة.
إذا نظرنا نظرة اقتصادية إلى ما يريد اللورد بيل إبقاءه (مؤقتاً) للعرب من وطنهم وجدنا أن هذا القسم قاحل لا يعيش من فيه، وخير دليل على ذلك نزوح ألوف من سكانه إلى السهل الساحلي حيث الخصب وحيث بساتين البرتقال منتشرة، ثم إن ألوفاً عديدة من سكان هذه المنطقة مزارعون يعتاشون من أعمالهم في الأراضي التي يملكونها في السهول الداخلية في المنطقة اليهودية. ومثال ذلك جميع القرى الواقعة حتى على مسافات بعيدة من السهل الساحلي ومدن طولكرم والرملة واللد ويافا، فإن هذه القرى العديدة وهذه المدن الكبيرة تعتاش بما يعمل أهلها في أراضيهم ومزارعهم الواقعة في السهل الذي يريد مشروع التقسيم أن يستولي عليه اليهود؛ فمتى حرمت هذه القرى والمدن من أملاكها، أصبح لا عمل لأهلها إلا مكافحة الجوع والشقاء (فكيف تصبح حالة سكان هذا القسم من فلسطين متى رحل إليه الأربعمائة ألف عربي سكان القرى والمدن التي سيستولي عليها اليهود إن قبل العرب التقسيم أو مكنوا الإنكليز من تحقيقه؟
حرمت مدينة يافا، بموجب مشروع التقسيم من بساتين البرتقال التابعة لها والتي منها يعتاش سكانها، فمعنى ذلك أن أهل هذه المدينة سوف لا يجدون لهم مرتزقاً يمكنهم من