الاستقرار في مدينتهم. وسيأخذ اليهود الذين يحيطون بهم من كل ناحية في مضايقتهم، وستكون النتيجة حتما رحيل سكان يافا وتهويد المدينة، ومصير اللد والرملة وهما في منطقة الانتداب كمصير يافا، لأن هاتين المدينتين حرمتا أكبر قسم من أراضيها، وبغير هذا القسم من الأراضي لا حياة لسكانهما.
ستحل من غير شك (في المنطقة العربية) بل في (المملكة العربية) المنوي إقامتها في بلاد فقيرة، أزمة اقتصادية هائلة بل مجاعة شنيعة. وهذه الحالة ترغم الملاك فيها إلى بيع ما يملكون، أو رهنه، أو إيجاره على سنين عديدة، وليس في هذه البلاد من شار ولا مرتهن، ولا من مستأجر، غير اليهود. . . وهكذا يأخذ اليهود في وضع أيديهم على (القسم العربي) ويلحقوه بمملكتهم، فتصبح فلسطين برمتها في مدة وجيزة مملكة يهودية خالية من أصحابها العرب. ربما يعترض على هذا الحكم من لا يعرف السياسة وتلاعبها بأن ليس لليهود الحق في شراء الأراضي في القسم العربي من فلسطين. هذا صحيح، ولكن في إمكان من يضع هذا القانون أن يضع غيره، لاسيما وأنه غير قابل للتنفيذ، والقانون وحده لا يستطيع الحيلولة دون وضع اليهود أيديهم على البلاد بمختلف الطرق مادامت موارد البلاد الاقتصادية لا تفي بحاجة السكان.
ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل إن (المملكة العربية) الهزيلة سوف لا تعرف الاستقلال لأنها لا تقدر على حمل أعبائه الاقتصادية. والبلاد التي ليست مستقلة استقلالا اقتصادياً والتي تجاورها دولة غنية طامعة فيها، لا يمكنها المحافظة على استقلالها السياسي. . وستكون النتيجة التحاق الدولة العربية بالدولة اليهودية، سواء طلب العرب ذلك بدافع العوامل الاقتصادية، أم اضطروا إليه أمام حيل الدولة اليهودية، فتنتشر الملايين من اليهود في جميع أنحاء البلاد، ويصبح العرب فيها أقلية فقيرة لا شأن لهم يذكر، إن لم يرغموا على الرحيل إلى صحراء الجزيرة.
فمشروع التقسيم لا يحدد في الواقع المطامع الصهيونية، وإنما هو وسيلة لتحقيقها بمدة وجيزة، وهو حيلة يراد بها الوصول إلى تأسيس مملكة يهودية واسعة في فلسطين كلها، وفي شرق الأردن ذلك البلد العربي الذي لا يطبق عليه صك الانتداب، ولا يسري عليه تصريح بلفور، وفي ذلك ما فيه من الأخطار الفادحة لجميع البلاد العربية