للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خاوية. وقد انحدرت الشمس فغابت في عينها الحمئة السحيقة. وما أجَّل لهذا المخلوق في الحياة بعد هذا كله إلا استيقاظه نفسية، سرعان ما تبخرت معها فكرة الثورة على النظام وعلى الطبيعة، وتحركت شفتاي على غير إرادة مني وقرأته السلام

يا لله! هاهو ذا قد نظر إليّ بكامل وجهه، وعيناه تبعثان بصيصاً فيه الرعب والوجل والألم والقسوة والجمود. وأخذ يجاهد جهاد المستميت ليرد تحيتي بأحسن منها، وأخذت الكلمات تخرج من شفتيه غير متماسكة الحروف، فكان فيها مد وغن، وقصر واستطالة، وعوج واستقامة، وإمالة وشمام، ومضت دقائق ما أعرف عددها قبل أن يتم رد السلام:

- وعليكم السلام. . . ورحمة الله وبركاته. . . إزاي حضرتك سلمات. . . أهلا وسهلا. . . يا مرحب

- اسم أخينا إيه؟

- اسمي. . .

- أيوه

- اسمي. . . والله اسمي. . . اسمي. . . محمد

- بتعمل إيه

- أ. . . نا

- أيوه أنت

- أنا. . . بشتغل. . . في غيط. . . عم حمدان. . . اللي. . . قصادك ده!

- وبلدك إيه؟

- أ. . نا

- أيوه إنت

- بلدي. . . بلدي. . . بعيد من هنا! بينا وبينها. . . تلاته تعريفه تمام. واسمها. . . اسمها. . . الخرابة

ولقد صدق المسكين. فأية بقعة من بقاع هذا العالم الواسع تقذف الإنسانية المسواة في أحسن تقويم بمثل هذا الشبح الممسوخ إلا بقعة خراب!

إذن فقط هبط علينا من الخرابة. وكيف يستوي أن يعيش في العمران والمدنية، من تلفظه

<<  <  ج:
ص:  >  >>