ويحضر بغير إرادته وبلا جهد منه، ويعلق بذاكرته ما يعلق وهو غير دار أو مدرك لما يحدث، وتتزاوج الخوالج وتتوالد كما يتزواج الناس ويتوالدون وهو غير شاعر بشيء مما يجري في نفسه من التفاعل وأثره
ولست أحب أن أجعل من نفسي قاضيا يحكم على هذا بالسرقة وعلى ذاك بالانتحال إلى آخر هذا، وإنما أحب أن أعلل وأفسر الحالات أو الحركات النفسية التي تؤدي إلى ما يمكن أن يسمى سرقة أو اقتباساً أو التي تغري إنساناً بما فكر فيه غيره. ولا جديد في تعليلي أو تفسيري فأنه قائم على علم النفس، وإنما الجديد هو التوجيه أو التطبيق، ولا فضل في هذا ولا مزية له. ومن أجل ذلك أقصر هذا في الفصل على الأمثلة فإن المقام لا يتسع لها ولما يبدو لي من وجوه التعليل، وأرجو أن تتاح لي فرصة قريبة أشرح فيها مذهبي ورأيي في هذه الحالات
وقد عني العرب بتعقب شعرائهم، فكل شاعر ظهر له من ينخل كلامه ويغربله ويرد المعاني إلى أصحابها أي إلى الذين سبقوا إليها. والسبق في الزمن هو الذي يكسب السابق الحق في المعنى؛ وأنا أقول المعنى لأنه لم يكن ثم موضوع للقصائد غير الأغراض المألوفة مثل المدح والهجاء والفخر والغزل وما إلى ذلك. ولما كان البيت في الشعر العربي القديم هو الوحدة فقد صارت الأبيات المفردة هي مدار هذا الضرب من النقد؛ فهذا أخذ معنى البيت الفلاني من فلان، وذاك نظر إلى قول علان، إلى آخر هذا إن كان له آخر. ولهم في هذا الباب حكايات بعضها لاشك مختلق والبعض قد يكون صحيحا، وأعني بهذه الحكايات ما يراه المرء في كتب الأدب من أن بعض الشعراء المستهترين المستخفين بالدنيا وما فيها من مثل أبي نواس سمع شاعرا مغمورا ينشد قصيدة فأعجبه معنى بيت فيها فأخذه جهرة وقال: أيروى لك هذا المعنى وأنا حي؟. . ومثل ما يروون من أن المتنبي كان ينكر في حياته أنه قرأ شعر ابن الرومي، فلما قتل وجدوا بين أوراقه نسخة خطية بالطبع من ديوان ابن الرومي وعليها تعليقات بخط المتنبي. ولا فائدة من محاولة التمثيل لهذا النوع من السرقات فإن الكلام خليق أن يطول بلا جدوى ومن غير أن نجيء فيه بجديد وأكثر القراء يستطيعون أن يرجعوا إليه إذا شاءوا في كتب الأدب المتداولة. لهذا أوثر أن أسوق أمثلة مما في الآداب الغربية مما يدخل في باب السرقات فإن الأمر في هذه أمر