للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

موضوع يقتبس، أو قصيدة برمتها تؤخذ من أولها إلى آخرها على طولها بالحرف الواحد. والقليلون يعنون بتعقب هذا فذكر أمثلة منه خليق أن يكون أمتع.

أشهر شعراء الإغريق هومر كما لا أحتاج أن أقول؛ وقد قرأت ترجمتين إنجليزيتين له وحطمت رأسي بهما وأعترف أنه لم يرقني منه إلا القليل، ولكن كنت أخشى أن أجاهر بهذا الرأي لئلا يقول عني إخواني إن ذوقي فاسد أو إن بي نقصاً في الاستعداد الأدبي؛ أما الآن فإني أستطيع أن أجهر بذلك وأن لا أخشى تهماً كهذه. على أني لا أذكر هومر الآن لأقول رأيي فيه بل لأروي قصتين صارتا الآن معروفتين: الأولى أن الأدب الإغريقي كان في العصور الوسطى مجهولاً أو مدفوناً وكان لا يعرفه إلا الرهبان الذين احتفظوا بنسخ منه ضنوا بها على النشر والإذاعة لأنه أدب وثني، وفيما عدا هؤلاء الرهبان لم يكن أحد يعرف شيئاً لا قليلا ولا كثيراً عن الأدب الإغريقي، فكان من سخرية الأقدار أن الرجل الذي رد إلى العالم هومر في القرن الرابع عشر كان سكيراً نصاباً وشريراً كبيراً، وأن الرجل الذي حمله على ترجمة هومر كان من أبرع كتاب النهضة، وأن الرجل الذي آلى على نفسه أن يعمل على نشر جمال الأدب الإغريقي في العالم كان لا يعرف حرفاً واحداً من اللغة الإغريقية. هؤلاء الثلاثة الذين جمعهم الحظ هم بيلاتس وبوكاكشيو وبترارك فأما أولهم فكان مغامراً يؤثر أن يستخفي لأسباب لعل البوليس أعرف بها؛ وكان قذراً كثير الشعر دميم الخلقة، ولكنه كان يعرف اللغة الإغريقية فجاء به بوكاكشيو وأنزله عنده ضيفاً فبقي ثلاث سنوات. أما بوكاكشيو فمعروف مشهور وهو عندي أنبغ نوابغ الإيطاليين ولكنه كان ساذجاً وكان لا يعرف قدر نفسه وكان عظيم التوقير لبترارك حتى لقد صار في آخر حياته يخجل لأنه كتب ما كتب باللغة الإيطالية العامية لا باللاتينية. وأما بترارك فقد اقتنع لسبب لا نعرفه بأن المخرج الوحيد من السوء الذي يراه في زمانه هو إحياء درس الأدب الإغريقي، ويظهر أنه كان هناك اعتقاد بأن هذا الأدب المقبور هو القادر وحده على حل المشاكل التي كانت تواجه العالم في ذلك الزمان، وهكذا عرف الناس هومر بعد أن قبره الزمن عدة قرون.

ومن المحقق أن هومر كان يعرف الأساطير المصرية وأنه استعان بها في قصيدته - الإلياذة والأوديسية - وأحسب أن كثيرون قرءوا البحوث التي نشرها الأستاذ عبد القادر

<<  <  ج:
ص:  >  >>