للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

حمزة وأثبت فيها - استناداً إلى ما وقف عليه وكشف عنه العلماء بالآثار المصرية والتاريخ المصري القديم - أن هومر أخذ كل العقائد وكل القصص من المصريين. والمصريون كما لا يحتاج أن أقول - أسبق بآلاف السنين لا بمئاتها فقط، وهم الذين نشروا في العالم القديم العقائد التي لا تزال باقية إلى اليوم. وهم أول من فكر في الروح والآخرة والحساب والعقاب. وقد ذهبت مدنيتهم ولكن آثارها بقيت وهي على قلتها كافية للدلالة على حضارتهم. وقد نشر الأستاذ عبد القادر حمزة النصوص وأثبت منها أن هومر أخذ قصصه من مصر وأن كل ما فعله هو تغيير الأسماء وقلبها إغريقية. وأنا أزيد على ذلك أن هيرودوت يقول عن هومر كلمة لها مغزاها، ذلك أنه يصف عمله بأنه (تنظيم)، ويقول عنه في موضع آخر إنه وضع (إطاراً) للقصص، وفي موضع آخر أيضاً إنه (جمع). ومعنى هذا أنه كان معروفاً أن هومر لم يبتكر قصصه وإنما جمعها ورتبها ونظمها. ويظهر أنه كانت هناك روايات متعددة مختلفة وأن هومر شعر بالحيرة بينها ولم يدر أيها يؤثر: الرواية المصرية أم الروايات المشوهة التي شاعت في إسبارطة وأثينا وفي غيرهما؟ ولهذا اضطرب ولم يستقر على رأي في أيهما هو البطل - هكتور أو أخيل - ويرجح بعضهم أنه لحيرته بين الروايات المختلفة أعد نصين، واحداً ينشده على الجانب الأسيوي والآخر ينشده على الجانب الأوربي. على أن المهم أن هومر أخذ موضوعه كله بكل ما انطوى عليه من مصر، فلولا مصر لما كان هومر. وأحسب أن الدنيا ما كانت حينئذ تخسر شيئاً فقد أصبح هومر اسماً لا أكثر

وأدع التوافه مثل قول أكثر من ناقد واحد: إن الرومان مدينون بفكاهتهم للإغريق، وإنه ما نكتة في الأدب الروماني إلا وهي مأخوذة من نكت الإغريق أو لها ما يقابلها عندهم، ومثل قولهم إن (الأبولوجيا) أو الاعتذار الذي كتبه سنيكا لما أمره نيرون بالانتحار ليس سوى تقليد ضعيف للأبولوجيا التي كتبها أفلاطون عن سقراط بعد الحكم على سقراط بالموت، ومثل قولهم إن وصف درع (إينياس) في قصيدة فرجيل مأخوذ من وصف هومر لدرع أخيل، وقولهم أيضاً إن خير ما في إينيادة فرجيل منقول بالحرف من وأن القصيدة كلها في الحقيقة ليست أكثر من مقاطيع منقولة من شعراء سابقين مثل هومر وأبوللونيوس ورودياس ولوسيلياس ولوكريشلاس وأن مكروبيوس ضبط كل هذه السرقات، ومثل

<<  <  ج:
ص:  >  >>