آية في الفخامة والرواء لا يستطاع أن يوجد مثله في بلد من البلدان. قيل إن نفقات بنائه بلغت مائة ألف دوقية. وكانت جدرانه مغطاة بالنقوش موشاة بالذهب وكانت أرضه مغطاة بالفسيفساء وأبوابه مطعمة بالأبنوس والعاج.
(وفي الغد أتت إلى السفير هدية من السلطان (وهنا وصف ما تحتوي عليه الصور) وفي يوم الاثنين ذهبنا إلى المقابلة الأولى لصاحب العرش وكان نظام المقابلة على النحو الآتي:
(جاء المهمندرا والترجمان إلى السفير في بيته ليصاحباه، وركب جواده ومن حوله معيته بعضهم يركب خيلا وبعضهم يركب بغالا. وسرنا في المدينة حتى بلغنا القلعة فنزل السفير ومن معه وصعدوا سلماً ثم دخلوا من باب يحرسه جماعة كبيرة من الجنود
ثم دخلوا من أربعة أبواب واحداً بعد الآخر. وكان عند آخر باب منها فرقة موسيقى تصدح بالأنغام. ثم مررنا بعد ذلك بثلاثة أبواب أخرى حتى دخلنا إلى فناء صغير تحيط به حوائط قد علقت عليها أنواع السلاح والدروع وإلى جوانبها نحو خمسين رجلا يعملون في صناعة السلاح المختلفة، وقد علمنا أن هؤلاء العمال إنما أعدوا قصداً لا طوعاً لصناعة السلاح والاستعداد للحرب فإنا ما كدنا نمر حتى ذهبوا جميعاً وتفرقوا.
(وأخيراً رأينا السلطان في فناء القلعة الفسيح جالساً على مسطبة علوها نحو خطوتين فوق الأرض تغطيها قطيفة خضراء وعلى رأسه قلنسوة كبيرة يعلوها قرنان عاليان يبلغ كل منهما نصف ذراع. وكان يلبس قفطاناً من القطن الأبيض فوقه جبة من قماش لونه أخضر قاتم. وكان يجلس مربعاً ساقيه كما يجلس الخياطون عندنا وعن يمينه سيفه ودرعه وكانا لا يفارقانه أبداً. وكان عن يمينه على مسافة قليلة نحو عشرين من الأمراء الملكيين الذين يقود كل منهم ألفاً في الحرب وقوفا، وكلهم يلبسون الأبيض وعلى رؤوسهم قلانس مثل قلنسوته، وكان سوى هؤلاء عدد كبير من المساعدين كلهم وقوف يملأون فضاء الفناء.
(وتقدم السفير حتى إذا ما وقعت عينه على السلطان رفع قبعته وانحنى إلى الأرض فلمسها بيديه ثم رفعهما إلى شفتيه وجبهته دلالة على مقدار احترامه للسلطان العظيم، ثم سار مع من معه نحو خمسة عشرة خطوة وحيا مرة أخرى، وكان عند ذلك قد صار على نحو عشرين خطوة من السلطان. وكانت هذه المسافة تغطيها الأبسطة ولم يكن من المباح السير فوقها، فحيا السفير تحيته الأخيرة وأخرج من صدره خطاب (الدوج) مكتوباً على ورق