للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأثرة كانت تفسد على التلاميذ حياة المدرسة المشتركة فكان أحدنا إذا اشترى شيئاً من الحلوى أو (المخلل) - فقد كنا نشتريه قبيل الغداء ونحمله معنا إلى موائد الطعام - أقول إن أحدنا كان إذا اشترى شيئاً يضن به على إخوانه ولا يسمح لهم بأن يشاركوه فيه، وكان ربما ذهب إلى ركن خفي وأخرج من جيبه بعض ما فيه وراح (يبلع) قبل أن يفاجئه أحد ويطلب منه قطعة. ولكنا كبرنا الآن وعرفنا أن الأثرة عيب وأن لذة المشاركة أحلى وأطيب. وإن جديراً بي في مستهل حياتي المدرسية الجديدة أن أستن سنة الإيثار أو على الأقل المشاركة، وأن أقلب جو المدرسة جو تعاون ومودة.

كان هذا يدور في نفسي وأنا ألقي كلمتي، فامتدت يدي إلى النافذة واستراحت أناملي عليها إلى أن أستطيع أن أهتدي وأنا أتكلم إلى مناسبة تسمح بأن أوزع الحلوى والسندوتش على الزملاء، ولكن المناسبة لم تعرض مع الأسف لسبب خارج عن إرادتي فقد استيقظت فانتسخ الحلم قبل أن يتم. وكان الذي أيقظني صوت دق عنيف على باب العمارة وصياح عال: (افتح يا محمود. . . أنت ميت؟. . .)

فأخرجت الساعة من تحت الوسادة ونظرت إليها فإذا هي الثالثة صباحاً، فقلت: والله إن محموداً لمعذور! وهل كان عليه أن يظل واقفاً بالباب ينتظر مقدم صاحبنا إلى الفجر؟ وفتح الباب ودخل الرجل - فقد كان رجلا كما لا أحتاج أن أقول - يزمجر ويبرطم وبدأ الفصل الثاني من رواية إزعاج خلق الله في سكون الليل فقد شرع يدق باب شقته ويصيح وينادي، وبقي على هذا الحال ربع ساعة لا تنقص دقيقة، وكان الذي يثير ثائرته ويهيجه إلى ما به أن من في بيته - لا أدري من - لا يريدون أن يفتحوا له الباب، وكانوا يقولون له: (اذهب فنم حيث كنت) فيرج الباب ويهزه ويهدد بكسره ويدعو البواب المسكين أن يساعده على تحطيمه كأنما يمكن أن يعينه البواب على فعل كهذا. . . وأخيراً فتح الباب ووسعني أن أضحك قليلا وأن أستأنف النوم - لا الأحلام مع الأسف. . . وتذكرت حكاية الرجل الذي رأي في منامه أن واحداً يعرض عليه تسعة وتسعين جنيهاً وهو يأبى إلا أن تكون مائة؛ واشتد الحوار واللجاج بينهما فاستيقظ الرجل فنظر في يديه فألفاهما خاليتين فارغتين كفؤاد أم موسى، فندم وأغمض عينيه ومد كفه وقال (طيب رضينا. . . هات بقى)

كذلك أنا والله. . . كنت أود أن أعود إلى حلمي لأرى ما يكون مني ومن إخواني. وكان

<<  <  ج:
ص:  >  >>